تظاهرة ضد الفساد في تل أبيب في ديسمبر.(أرشيف)
تظاهرة ضد الفساد في تل أبيب في ديسمبر.(أرشيف)
الثلاثاء 5 يونيو 2018 / 21:08

قشة اليسار الإسرائيلي

معسكر السلام الإسرائيلي كان على الدوام مثار جدل بين النخب السياسية والثقافية الفلسطينية تعامل معه البعض باعتباره شريكاً في المستقبل ونظر إليه آخرون على أنه أداة يمكن استخدامها في تفكيك بنية الدولة الإسرائيلية

بدت الاحتجاجات التي نفذها اليسار الاسرائيلي مؤخراً وكأنها قادمة من زمن مضى أو خروجاً عن مألوف كرسه مسار الأحداث على مدى عقدين ونيف وقد يكون ذلك سبباً في قدرة الحراك الخجول على إعادة طرح بعض الاسئلة الغائبة منذ سنوات عن المشهد السياسي الفلسطيني وربما اطلاق ديناميات جديدة للبحث عن القشة التي تنقذ الغريق من الغرق.

تراوحت الحراكات الأخيرة لمعسكر السلام الاسرائيلي بعد قمع الاحتلال لمسيرات العودة في قطاع غزة بين تظاهرة تخللتها محاولة إغلاق شارع في تل أبيب والمشاركة في مسيرة حيفا ولم يخل الأمر من مقالة هنا أو هناك تظهر التعاطف مع الشعب الفلسطيني.

حماسة الترحيب الفلسطيني تجاوزت الموقف إذا وضعت في عين الاعتبار محدودية المشاركة ـ في حال مقارنتها بالتظاهرة التي نظمها اليسار الإسرائيلي احتجاجاً على مجازر صبرا وشاتيلا في بدايات ثمانينيات القرن الماضي ـ وكان لهذا التجاوز أسبابه الذاتية والموضوعية.

أحد هذه الاسباب ان معسكر السلام الإسرائيلي كان على الدوام مثار جدل بين النخب السياسية والثقافية الفلسطينية تعامل معه البعض باعتباره شريكاً في المستقبل ونظر إليه آخرون على أنه أداة يمكن استخدامها في تفكيك بنية الدولة الإسرائيلية.

ومن بين الأسباب المفترض وضعها في عين الاعتبار لفهم حماسة بعض الأوساط الفلسطينية عودة هذه الحراكات في زمن انتعاش التيارات الأكثر يمينية في المجتمع الإسرائيلي المندفع نحو التطرف.

وجاهة أسباب الإسراف في الحماسة والاقتراب من تخوم الرهان لا تعفي المتحمسين من شبهات التمترس وراء معادلات قديمة لصراع طويل وتجاهل متغيرات تفرض اشكالاً جديدة من التفكير وشروطاً للتعامل مع ظروف اشتباك مختلفة.

المؤشرات التي يمكن استخلاصها من هتافات وكتابات اليسار الإسرائيلي في حراكه الأخير تبقيه في دائرة الدفع نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة تخاتل أوهامها خيالات القيادة الفلسطينية وبات الحديث حولها إضاعة غير مبررة للوقت بعد فرض أمر واقع جديد في الضفة الغربية أبرز ملامحه توسع الاستيطان وفشل الفلسطينيين في حكم أنفسهم والاستمرار في تجاهل هذه الحقائق ومحاولة الالتفاف عليها لا يجنب ما كان يعرف بمعسكر السلام الإسرائيلي الوقوف أمام مفترق طرق قريب ينطوي على عوامل فرز جديدة كفيلة بتغيير اصطفافاته وتمزيق ما بقي منه لا سيما أن السؤال المطروح في هذه الحالة مرتبط بمدى القبول بالعيش مع الفلسطينيين في دولة ثنائية القومية وإحداث تغييرات عميقة في هوية وبنية الدولة الإسرائيلية الأمر الذي يمس جوهر تفكير نشطاء ذلك المعسكر.

مثل هذا المسار يفرض مهاماً مختلفة على الفلسطينيين بقيادتهم الرسمية ويسارهم الفاقد لدوره من بينها إعادة النظر في التمسك بوهم الدولة الذي أوقع القيادة الفلسطينية في هاوية اتفاق أوسلو تمهيداً لتغيير الأداء بآخر يراعي التحولات التي أوصلت الاستراتيجية والتكتيك إلى طريق مسدود ويؤسس لمحاولة الدخول في حوار على أرضية مختلفة مع اليساريين الإسرائيليين لنقلهم الى مربع اقناع شارعهم بالتعايش مع الشعب الفلسطيني في دولة واحدة.

الاستخدام الدعائي للاحتجاجات الاخيرة يختلف عن البناء على حراك بقايا معسكر السلام الإسرائيلي ويترتب على الاختلاف بين الحالتين الإمساك بزمام المبادرة للانتقال من الحالة الأولى للثانية إذا توفرت نوايا مراكمة الجهود والخروج من ذهنية الاحتفاء الموسمي والتلويحات العابرة.