الملك الحسين بن طلال والملكة عالية.(أرشيف)
الملك الحسين بن طلال والملكة عالية.(أرشيف)
الخميس 7 يونيو 2018 / 21:32

تلك المصافحة

لعل ما يحدث في الأردن الآن هو الذي بعث ذلك المشهد من جديد وأعاد له قوة نفوذه القديمة. المشهد البسيط المكتفي بمكوناته القليلة والذي يتأمل الراهن بحيادية مطلقة

لا أظن أن الملك الراحل، الحسين بن طلال، كان سيعترض أو سيلاحظ طول شعري في ذلك الحفل في سبعينيات القرن الماضي في معهد ناعور.

الآن وعلى هذه المسافة من تلك السنوات أفكر بذلك، أفكر بيده القوية وكل ما اشتملت عليه تلك المصافحة السريعة التي بدت كحديث طويل.

كانت الملكة الراحلة عالية تقف إلى جانبه بملامحها الأرستقراطية الناعمة وكانت تبتسم.

بدت تلك المصافحة إشارة عميقة للثقة بينما اليد التي ضغطت على يدي بقوة منحتني شيئاً من الحماية.

لا تضغط على يد جلالته
لا تتحدث مع جلالته
حافظ على انحناء واضح عندما تصافح جلالته
ولا تتوقف أو تتلكأ واصل مرورك من أمام جلالته مع احتفاظك بانحناءتك.

لا يتوقف هذا التدفق من سيل الإرشادات التي واصل منظمون يعتريهم الارتباك وتشوب حركاتهم عصبية، ترديدها كلما وجهوا حديثهم نحونا، فيما رجل المخابرات، الذي ظهر فجأة في المحيط، يهز رأسه بتوعد مع كل وصية، كما لو أننا مشروع أخطاء في طريقها للحدوث.

كان توترهم، المرشدين ورجل المخابرات المتوعد، يتسلل نحونا ويصيبنا ونحن نواصل أداء تمارين الدخول والصعود على خشبة المسرح ثم الخروج من جديد والوقوف من جديد تحت شمس يونيو (حزيران) من ذلك الصيف البعيد.

كنت أصغر المشاركين، وكان ما يزال لدي ذلك الشغف بكرة السلة وبفكرة اللعب والجمهور والاستعراض، ربما لهذا بدا لي قص شعري الطويل، الذي كان جزءاً من الاستعراض، تضحية كبرى، ولكنها لا توازي فرصة الحصول على مصافحة ملكية من الرجل الذي كان أيقونة رياضية بالنسبة لنا.

كنت واثقاً أن الملك لن يعترض على ذلك، كانت صورته لدي ملتبسة، ورغم ذلك كنت أعرف، بمخيلة الفتى الذي كنته، أنني أعرفه أكثر بكثير من هؤلاء المرتبكين الذين يواصلون الصياح والصفير والتأفف وإلقاء الإرشادات وتدبيج المواعظ.

قصصت شعري تحت تهديد لا لبس فيه بالحرمان من الحفل الذي سيحضره الملك بنفسه، وستأتي معه الملكة.. كان هناك دائماً من يضيف بثقة.

ولكن الملك ضغط على يدي بقوة ووضع يده الثانية على كتفي

وتحدث معي، قال بطبقة صوته العميقة:
مبروك، أو شيئاً من هذا القبيل

وتوقف قليلاً وهو يمنحني الشهادة الملفوفة بشريط ذهبي، اتضح فيما بعد أنها تحمل اسم شخص آخر، ناولني الشهادة وهو يبتسم، تلك الابتسامة التي تظهر في صوره المعلقة خلف مدير المدرسة العابس، والموظفين الكبار في الحكومة بأطقمهم السميكة، وقائد المخفر، والصيدلية وتقاويم الشركات، وغرفة المحقق المتذاكي في مبنى المخابرات القديم الذي "زرته" مرات عديدة فيما بعد.

فيما بعد سأحمل تلك "المصافحة" وأذهب بعيداً عن عمان وعن ملاعب كرة السلة وعن تلك الرفقة، ستأخذني الحياة في طرقها غير المتوقعة، وستتشكل خلال ذلك رغبة في الكتابة عنها، ولكنها كانت دائماً تتراجع تحت تأويلات كثيرة تأتي من تراث الجدل وتعثر الأحلام.

لعل ما يحدث في الأردن الآن هو الذي بعث ذلك المشهد من جديد وأعاد له قوة نفوذه القديمة. المشهد البسيط المكتفي بمكوناته القليلة والذي يتأمل الراهن بحيادية مطلقة.

كان ينظر في عيني.

وكانت الملكة النابلسية السلطية بملامحها الأرستقراطية الناعمة تبتسم إلى جانبه.