الروائي الفرنسي ميشال ويلبيك (أرشيف)
الروائي الفرنسي ميشال ويلبيك (أرشيف)
الإثنين 11 يونيو 2018 / 21:13

كلمة واحدة

"استسلام" الكلمة التي اختارها المترجم شكير ناصر الدين عنواناً لرواية الفرنسي ميشال ويلبيك الجديدة، مقابل الكلمة الفرنسية "سوميسيون"، دار الجمل 2017، كادت أن تكون حكماً أو ما يشبه الحكم، وليس هذا ما يجعلها ملتبسة وحسب، بل ما تدعيه من حكم لا يتمتع بدقة وحدود نفترضها للحكم.

"منذ السطر الأول يريد كاتب المقال الذي لا يتعدى نصف صفحة الا قليلاً، نسف ترجمة الرواية وهي من 286 صفحة، فقط لأنه لا يتفق مع ترجمة "سوميسيون" كذا بلفظة "استسلام"

هنا لا نفرق بين الحكم والتعليق، بل بينه وبين المزاح. استسلام أو إذعان حسب الرواية ومخيالها لانتصار الإسلامي واستلامه السلطة في فرنسا، بحيث لا يجد البطل مفراً من النطق بالشهادتين وإعلان إسلامه. ليس ويلبيك نصيراً للإسلام، فماضيه مدموغ بخلاف ذلك. روايته الأخيرة لم تغفل عن ذلك".

هذه مقدمة مقالة لي عن رواية ويلبيك وما يلي شذرات من رد كتبه مترجم الرواية شكير ناصر الدين.

"منذ السطر الأول يريد كاتب المقال الذي لا يتعدى نصف صفحة إلا قليلاً، نسف ترجمة الرواية وهي من 286 صفحة، فقط لأنه لا يتفق مع ترجمة "سوميسيون" كذا بلفظة "استسلام"، ويزيد أن العنوان حكم أو ما يشبه الحكم.

وفي مواضع أخرى من المقال يتساءل المترجم: "اذا لم يكن استسلام مناسباً فما هو يا ترُى الأنسب"، يعلمنا السيد ناصر الدين بأن الكاتب غير المترجم، وأن الترجمة ليست كتابة انطباعات وهو يأخذ علي أني أكتب لمجرد أن أكتب ويهمس لي، بأن الاستسلام من بين مدلولات الإسلام، ويصل بين الترجمة والتأويل ليس بالمعنى العام الذي أفترض أنه ينسبه إلي ويسأل شكير إذا كان هناك بعد ذلك ما يوهم بأن ثمة كلمة أخرى تناسب العنوان، ويستطرد أن بيضون يناقش الرواية كأنه لم يقرأها أو يكتفي بما يعرفه عن صاحبها وباتخاذ موقف منه والحديث عن آفاته، وذلك يتم من قراءة أول سطر والعنوان وحده.

هذه الشذرات من رد المترجم ليس على مقالتي التي تعرض الرواية وإنما على مقدمة المقال الذي تفتتحه بتساؤل عن عنوان الرواية "استسلام".

مقالة السيد شكير لا تفعل سوى أن تناقش هذا المفتتح، بل تكتفي بأن تناقش عرضي للعنوان الذي اختاره لترجمة رواية ويلبيك. يأخذ السيد شكير علي قِصَر مقالتي "التي لم تزد إلا قليلاً عن نصف الصفحة"، ولا أعرف اذا كان هذا سبباً ليعقد مقالة تتجاوز الصفحة على كلمة واحدة.

جيد أن مقالة السيد شكير نشرت مقدمة مقالتي التي دارت حولها مقالته، فبدون نشرها كانت مقالته ستستغلق على القارىء. في ما قاله السيد شكير يفترض أنني انتقدت ترجمته للعنوان الذي وضعه ويلبيك، ولأن الأمر هكذا فإن السيد شكير الذي تثبت من أن موضوع مقالتي كلها ترجمته للعنوان، يحمل علي لأنني لم أبت في هذه القضية، التي هي مفتاح مقالتي وعمودها.

لم أقل ما هي الترجمة الأصح وسمحت لنفسي أن أعتبر العنوان حكماً أو ما يشبه الحكم وحملته حتى على المزاح. يصر السيد شكير على أن مقالتي بطولها "القصير" تتعرض لترجمته لعنوان ويلبيك.

لقد أصر على ذلك واعتبر أن المقالة كلها هنا، وفاته أن يفكر بأن التعليق على العنوان لا يقصد ترجمته لذا اكتفى بعرض قاموسي لمعانيه العربية وإنما قصده نفسه في أصله الفرنسي بكلمة الحكم والتعليق وحتى بكلمة المزاح. العنوان نفسه لا كما ترجمه شكير ولكن كما وضعه ويلبيك، فالاستسلام والخضوع والإذعان هي المفردات التي تتردد بين الحكم والتعليق والمزاح.

أبطال ويلبيك وهم مثقفون وجامعيون مبرزون، يستسلمون لانتصار الإسلام في الإقتراع الشعبي وينطقون الشهادتين ويعلنون إسلامهم. لذا استوقفني العنوان فهو يبدو بعد الرواية أكثر من عنوان .

إنه يبدو خلاصة للرواية وحكماً وقد يكون أقل من ذلك "مجرد تعليق". وبعد أن رأينا الأكاديمي البارز يعاشر زوجتين إحداهما للطبخ والمنزل وثانيتهما للجنس والعشق، قد يكون ذلك مزاحاً أو سخرية وتهكماً.

هكذا أشرح مقدمة مقالتي، وإني أعذر المترجم إذا لم يدر له هذا الشرح ولم يمر بباله، وترتيب العبارات وسياقها قد لا يسمحان بذلك. بيد أني أريد أن أقول أن مسألة الترجمة لم تكن همي، فأنا قرأت الرواية في ترجمتها العربية وراقت لي الترجمة، أو هي على الأقل لم تعقني عن قراءة الرواية وفهمها.

لم تكن الترجمة هي موضوع قراءتي للرواية ولا محورها. لذا أظن أن مع اعتبار كهذا لا يبقى من أطروحة السيد شكير إلا درجة من سوء الفهم الذي قد أكون شخصياً مسؤولاً عنه. لقد انتهت الرواية بانتصار الإسلام في أوروبا.

الرواية التي تستشهد بنيتشيه غير مرة هي أيضاً عن الغرب المأزوم، والذي يبدو الإسلام خياراً مطروحاً عليه، سواء بالجد أو المزاح، أما السيد شكير فأعتذر له لأن الإلتباس كان أيضاً في أسلوبي. ثم إنني لم أصغ للشارع ولا يحق لي أن أحاكم ويلبيك إلا كروائي وكاتب وهو من هذه الناحية بارز وبارع.