صورة مركبة لغلاف كتاب "الريئس مفقود" والرئيس السابق بيل كلينتون.
صورة مركبة لغلاف كتاب "الريئس مفقود" والرئيس السابق بيل كلينتون.
الأحد 17 يونيو 2018 / 19:00

الرئيس مفقود، رواية لكلينتون

على مدار ثلاثة أيام، بمساعدة عدد محدود من المساعدين، وفي ظل إرهاق جسدي ونفسي، وأعراض مرض نادر ظهرت مُجدداً، يجازف الرئيس بسمعته، وحتى بحياته، في مهمة محفوفة بالمخاطر، لإنقاذ البلاد من خطر داهم

من المألوف أن ينشر الرؤساء الأمريكيون كتباً قبل وصولهم إلى البيت الأبيض، أو بعد خروجهم منه، وتحتل السيرة الذاتية مكانة خاصة في قائمة أعمالهم. ولكن كتابة الروايات البوليسية، أو روايات الإثارة، تبدو إضافة مثيرة يعود فضل الريادة فيها للرئيس الثاني والأربعين، بيل كلينتون، الذي نشر في مطلع الشهر الحالي، بالاشتراك مع جيمس باترسون، رواية بعنوان "الرئيس مفقود".

لا يعرف أحد، بالتأكيد، حجم إسهام كلينتون في الرواية، ولكن مجرّد وجود اسم رئيس سابق على غلاف رواية يضمن لها مكانة مضمونة على رأس قوائم الكتب الأكثر انتشاراً ومبيعاً في الولايات المتحدة. وهذا ما حدث فعلاً، فقد باعت الرواية في أسبوعها الأوّل ربع مليون نسخة، وتربّعت في جريدة "نيويورك تايمز"، على رأس قائمة الكتب الأكثر مبيعاً. وهي، الآن، بصدد التحوّل إلى مسلسل تلفزيوني.

ومع ذلك، لا تستمد الرواية مكانتها المضمونة، ولا تحصد ملايين الدولارات، من اسم كلينتون، وحسب، فباترسون يُعتبر من أبرز كتّاب روايات الإثارة في الولايات المتحدة، أيضاً، ويقدّر عدد المُباع من رواياته بثلاثمائة مليون نسخة، ناهيك عمّا تحوّل منها إلى أفلام سينمائية.

وعلى خلفية كهذه لا يحتاج الأمر إلى اجتهاد خاص للقول إن الشراكة بين الاثنين تتجلى في توظيف باترسون لخبراته المهنية في السرد الروائي مقابل خبرات كلينتون الشخصية في البيت الأبيض. ففي الولايات المتحدة ما لا يحصى من الأعمال الروائية، والأكاديمية، والتقارير الصحافية، عن آليات العمل في البيت الأبيض، ولكن أحداً لا يمكن أن يتفوّق على رئيس أمريكي سابق في تسليط الضوء على جوانب كثيرة في حياة وآليات عمل البيت الأبيض، وعلاقته بالكونغرس، والصحافة، وخصوصيات حياة وعمل الرؤساء الأمريكيين في سدة الحكم.
وهذا، بالتحديد، موضوع الحبكة في رواية "الرئيس مفقود"، فالولايات المتحدة مُهددة بخطر هجوم إرهابي إلكتروني، والرئيس دونكان (الفاعل الروائي الرئيس) يتعرّض لضغط هائل من جانب الكونغرس، الذي يتهم الرئيس بمساعدة إرهابي على الهرب من ميليشيا حاولت قتله، في الجزائر، وإجراء اتصال هاتفي بالإرهابي المذكور، بينما لا يستطيع الرئيس البوح بكل ما يعرف من حقائق لأن ما يتسرّب منها قد يؤدي إلى فشل محاولات إنقاذ الولايات المتحدة من هجوم ساحق.

وهكذا، على مدار ثلاثة أيام، بمساعدة عدد محدود من المساعدين، وفي ظل إرهاق جسدي ونفسي، وأعراض مرض نادر ظهرت مُجدداً، يجازف الرئيس بسمعته، وحتى بحياته، في مهمة محفوفة بالمخاطر، لإنقاذ البلاد من خطر داهم، بينما يحتدم الصراع بينه وبين الكونغرس، الذي يحشد رئيسه المؤيدين لإقالته من منصبه.

وبهذا المعنى، أيضاً، يتجلى على هامش الحبكة الروائية نقد الصراعات الحزبية، والمصالح الشخصية، وضيق الأفق، السمات السائدة في أوساط نخبة واشنطن السياسية، وهي ذات نفوذ هائل، ومنابر إعلامية تقوم مقام المدفعية الثقيلة في صراعها الدائم على المكان والمكانة.
وربما لن يجد الباحث في السياسة الأمريكية مشهداً يختزل هذا كله أفضل من النقاش بين الرئيس دونكان، ورئيس مجلس الشيوخ، ليستر رودس. فالأوّل يستعطف الثاني، ويحاول استنفار مشاعره الوطنية، للحصول على مهلة من الوقت، بينما لا يفكر الثاني إلا في جمهور الناخبين، والمصلحة الحزبية.

وعلى الرغم من حقيقة أن كلينتون يستفيد من تجربته الشخصية، كرئيس خضع لإجراءات الإقالة، في فضيحة مونيكا لوينسكي، واضطر للاعتذار علناً للإفلات من العقاب، كما يستفيد من تجربته في مواصلة "الحرب على الإرهاب"، التي بدأها الرئيس بوش الابن، إلا أننا لا نستطيع التفكير في شخصية الرئيس دونكان الروائية كتمثيل لشخصية كلينتون الحقيقية، ولا التفكير في "الرئيس مفقود" كسيرة ذاتية تستعين على إخفاء ملامحها بقناع الرواية البوليسية، وروايات الإثارة.

ومع ذلك، وعلاوة على خبايا وآليات عمل البيت الأبيض، والسياسة الأمريكية عموماً، قد يجد المهتمون بالتحليل النفسي للسرد الروائي علاقة من نوع ما بين ما ورد في الرواية، وبين حياة كلينتون الشخصية، ولكن بطريقة معكوسة تماماً.

ففي الواقع، ثمة علاقة إشكالية بين كلينتون وزوجته الطموحة، وذات الشخصية المُستقلة، هيلاري. وقد نشر أحد العاملين في البيت الأبيض، قبل سنوات، كتاباً سرد فيه مشاهد العراك بين الاثنين في أروقة البيت الأبيض. واللافت في الرواية أن الرئيس دونكان أرمل.

والمسألة الثانية تتجلى في حقيقة أن كلينتون تعرّض لانتقادات واسعة لأنه تفادى التجنيد، في زمن حرب فيتنام، بل وتظاهر ضد الحرب. أما في الرواية فيقع الرئيس دونكان، الذي كان جندياً في القوات الخاصة، أسيراً في يد العراقيين، في زمن حرب "عاصفة الصحراء"، ويُعتبر صموده في الأسر بطولة.

لا نعرف، بالتأكيد، مَنْ الذي رسم ملامح الرئيس دونكان في الرواية، كلينتون، أم باترسون؟ ويبقى أن الرواية تحظى باهتمام واسع من جانب الأمريكيين، وأن تحليلها بأدوات النقد الأدبي يظل محصوراً في أوساط أكاديمية ضيّقة، وهذا ما لا يثير اهتمام الغالبية العظمى من القرّاء.