قمع متظاهرين في الضفة الغربية.(أرشيف)
قمع متظاهرين في الضفة الغربية.(أرشيف)
الإثنين 18 يونيو 2018 / 19:26

وأدتم الثورة فلماذا تبقون على الفصائل؟!

كنا نظن أننا نواجه انقلاباً في غزة فقط، لكن ما حملته سنوات الانقسام من مآسٍ ومشاهد معيبة أكد أننا نواجه انقلاباً آخر في الضفة، فكلاهما انقلب على الثورة وعلى قيمها وأهدافها

في لحظة وداع ياسر عرفات، بدأ مشروع وأد الثورة الفلسطينية، وانهمك المتورطون في هذا المشروع في العمل على تهيئة البيئة المناسبة لموت المقاومة أو تمويتها بوسائل كثيرة، كان في مقدمتها محو الوعي الجمعي المقاوم واستبداله بوعي التسوية، وتغيير القيم السائدة في المجتمع الفلسطيني لتحويل المجتمع كله إلى كتلة بشرية ساكنة حد الخمول في مواجهة الاحتلال، ونشطة حد الجنون في تمثل النمط الاجتماعي السائد في المنطقة وهو النمط الاستهلاكي الذي يحول السكان من مواطنين إلى رعايا خاضعين لإرهاب الغريب المحتل وقمع الحكم المحلي وسطوة البنوك والمؤسسات المالية.

كان من متطلبات وأد الثورة أيضاً تفجير شحنات الغضب والاحتقان بعد إعادة توجيهها من الصراع مع العدو الغريب إلى الصراع مع الشريك الشقيق، فارتفعت حدة المواجهة بين الفصائل وانتقلت أجنداتها من الاختلاف إلى التناقض، وحدث ما حدث في غزة والضفة من اقتتال معيب أدى إلى الفصل المتحقق بين جناحي الدولة الموعودة، وأوصلنا إلى ما نحن فيه من شذوذ حين نتسامح كثيراً مع العدو ونتمسك بالتنسيق الأمني معه في الضفة والتهدئة الأمنية في غزة بينما ترتفع وتيرة المواجهة بين فتح – السلطة في الضفة وحماس في غزة، حيث تتواصل العقوبات السلطوية المفروضة على القطاع بما فيها قطع الرواتب والمشاركة في الحصار، ويستمر شيوخ وملالي غزة في توزيع فتاوى التخوين ليس لرئيس السلطة وزمرة الحكم المحلي فقط ولكن لكل أبناء فتح.

في البداية كنا نظن أننا نواجه انقلاباً في غزة فقط، لكن ما حملته سنوات الانقسام من مآسٍ ومشاهد معيبة أكد أننا نواجه انقلاباً آخر في الضفة، فكلاهما انقلب على الثورة وعلى قيمها وأهدافها. وكلاهما نقل مقاتليه من حالة المقاومة إلى حالة البطش بالناس وإرهابهم بقطع الأرزاق... والأعناق أيضاً، بينما تمسك الطرفان بعدم تجاوز الخط الأحمر الإسرائيلي وكأن الاحتلال قدر ينبغي أن لا نعترض عليه، وينبغي أيضاً أن ندرب أنفسنا على احترامه وتقديسه!
نجح الطرفان في اغتيال الثورة، وقد كان نجاحهما مبهراً ومفاجئاً حتى للاحتلال الذي لم يتوقع من شعب ثار نصف قرن أن يخضع لبرنامج الانقلاب على الذات.

هناك تنسيق أمني مع العدو في الضفة ومن يغامر بمحاولة الاشتباك مع جنود الاحتلال أو قطعان مستوطنيه يتعرض للقمع والاعتقال من قبل أجهزة أمن السلطة. وهناك تهدئة أمنية في غزة، ومن يحاول تنفيذ أي هجوم ضد الاحتلال يتعرض للقمع والمساءلة من قبل أجهزة أمن حماس التي يعتقد القائمون عليها أنهم وحدهم أصحاب الحكمة، وهم من يملك مفاتيح الاشتعال والتهدئة ومفاتيح الجنة أيضاً.

ربما حان الوقت لنجاهر برفضنا لكل هذا الخراب القائم بحماية الاحتلال ورعاية الإقليم، وربما حان زمن المراجعة والنقد الذاتي والاعتراف بأننا فشلنا في تحقيق أهداف ثورة قامت لتحرير الأرض والإنسان، ونجحنا في اغتيال هذه الثورة، ووصلنا إلى مرحلة الجلوس على عتبات الدول وتسول فتات الدعم.
رغم ذلك، لا تزال الأطر قائمة، فهناك منظمة تحرير لا تحرر، وفصائل ثورية لا تثور، ودولة تمسك زمام قرارها حفنة من الفاسدين المرضي عنهم إسرائيلياً، فيكذبون بلا خجل ويقمعون الناس بحجة الإخلاص للوطن و"يلعنون أبانا" علناً في خطبهم العصماء أمام زعرانهم في نابلس وغيرها من المدن.

ليس هذا مناخ ثورة ولا فصائل ثورية، وإذا تبقى لدينا بعض الخجل علينا أن ندعو إلى حل المنظمة والفصائل لكي ينتج الشعب فصائل بديلة وثورية قادرة على تنظيف بيتنا من كل هذا التلوث، وقادرة على تصنيع سلاحها حتى لو كان مجرد طائرات من الورق بعد أن فقد الناس الثقة في جدوى منظومات الصواريخ وأسلحة الطيران....