الروائي المصري نجيب محفوظ.(أرشيف)
الروائي المصري نجيب محفوظ.(أرشيف)
الإثنين 18 يونيو 2018 / 19:23

بين أجيال

لو حظي محمود درويش بنوبل كما كان مقدراً، لكانت لنا بداية أخرى لتاريخ الشعر العربي، ولا نختم ولأُنسي الحاج من حوله ومن بعده، ولكان علينا أن ننتظر وقتاً ليبداً تاريخ آخر للشعر

بين الأجيال في الساحة الأدبية، الأجيال التي سبق حضورها والأجيال التي تلتها والتي باشرت الحضور، بين هذه الأجيال درجة من الإهمال، درجة من التجنّب ومن اللاإعتراف. بين هذه الأجيال حالة من الغضب. لا ترضى الأجيال اللاحقة بالإقرار لمن سبقها بشيء من الاعتراف، لا تفسح لها ولا تقبل أسبقيتها ولا تشهد لها بالأولوية. هناك جيل يخرج من الساحة فلا يتوقفون عنده أو لا يعيدون قراءته، وغالباً ما يبقى وسط الجمع متروكاً وسرعان ما ينقضي زمانه ويغدو على المفترق ويذوي صيته، ويتحول الى مرحلة ومرحلة منقضية، وهذا ما يحدث على نحو عجيب وفي ظروف معقدة.

لقد نال نجيب محفوظ نوبل، وهذه الجائزة نقلته إلى السماء وجعلت ما بينه وبين جيله فوارق شاسعة، بل جعلته في مطرح لا يُنال، وفي مكان غير مسبوق. تحوّل محفوظ إلى قمة لا تُبلغ. وبطبيعة الحال لم يعد ممكناً مقابلته بأحد أو موازنته بآخرين. لم يعد يوسف ادريس وفتحي غانم من رعيله وغادروا قبله في حين بقيت الساحة له، ورغم أنهما ترشحا لنوبل وفاتهما الحظ، لكنهما كانا في زمن نجيب محفوظ الذي تجاوزهما بسرعة قياسية. صار الرجل إمام الرواية العربية، والآن بعد أن غادر نجيب محفوظ لا نجد بديلاً له، ولا نعرف سواه إماماً للرواية العربية.

بعد رحيل محفوظ حتى نحن لا نجد أفقاً للرواية . لقد مرت مرحلة محمد البساطي وابراهيم أصلان وجمال الغيطاني وخيري شلبي وعبد الحكيم قاسم. هؤلاء تلوا نجيب محفوظ وكانت رواياتهم متينة وقوية، وقدموا كل في مكانه، عملاً مختلفاً، وكان كل منهم فريداً في بابه، فريداً في أسلوبه وتأليفه. لكنهم بقوا مع ذلك، الجيل التالي لنجيب محفوظ. لم يوجد بينهم بالطبع نجيب محفوظ آخر رغم أنهم جددوا في الرواية واستقل كل منهم بروايته، ولم يكونوا عالّة على أحد. لقد استطاعوا أن يفجروا الرواية المحفوظية وهي بلزاكية مصر وملحمتها، واستطاعوا ان يجدوا كل لنفسه سبيلاً ثانوياً فردياً على هامش رواية محفوظ. لقد ألفوا من خيال جديد ومن أبنية جديدة ومن طرافة ساخرة وعفوية وفكاهة، وأهم من ذلك أنهم ابتكروا، وما ابتكروه لم يكن ملحمياً ولا مشهدياً . لقد ابتكروا من عوالم فردية، عوالم ثانوية. بالطبع لم يكونوا سوى جيل ما بعد محفوظ الذي وحده حجر الرواية ووحده أساسها. لا نعرف كيف ستكون حال الجيل الجديد ما دمنا، كلما ابتعدنا عن نجيب محفوظ ابتعدنا عن الرواية وتاريخها. وقد ابتدأ تاريخ الرواية بنجيب محفوظ وسيمر وقت طويل قبل أن يحظى ذلك التاريخ ببداية جديدة. سيمر وقت قبل أن يتم الفرز ويصبح لأصلان وشلبي وعبد الحكيم قاسم والبساطي والغيطاني موقع في الرواية العربية، سيكون قد بدأ تاريخ الرواية فعلاً، وسيكون فتحي غانم ويوسف ادريس قد دخلا من جديد في تاريخ الرواية. وبالطبع لن تكون نوبل بكل احتفاليتها ومناسبتها وصيتها هي هذا التاريخ. سيكون لأصلان وشلبي وعبد الحكيم قاسم وجمال الغيطاني قراؤهم ومتابعوهم، وسيكون لكل روايته الجديدة والخاصة والمستقلة.

لا بد أن نلقي نظرة على الشعر. لو حظي محمود درويش بنوبل كما كان مقدراً، لكانت لنا بداية أخرى لتاريخ الشعر العربي، ولا نختم ولأُنسي الحاج من حوله ومن بعده، ولكان علينا أن ننتظر وقتاً ليبداً تاريخ آخر للشعر. فنوبل تغبّ ما بعدها وبالطبع سيكون جديد الشعر منسياً ومهملاً، وقد لا يحظى حتى بإسم. ماذا سيحل بقصيدة النثر إذا كان الشرط نوبل، وماذا يبقى من الشعر العربي الجديد كله؟