قائد حرس الثورة الاسلامية في ايران اللواء محمد علي جعفري.(أرشيف)
قائد حرس الثورة الاسلامية في ايران اللواء محمد علي جعفري.(أرشيف)
الأربعاء 20 يونيو 2018 / 21:31

الإيديولوجيا كمجرّد ذرائع

هذه الاستعادة النقديّة للشيوعيّة كانت قد توقّفت، في اللغة السياسيّة الإيرانيّة، منذ تمكّنت السلطة الخمينيّة من تصفية الحزب الشيوعيّ الإيرانيّ (توده) وباقي الفصائل التي تقول بماركسيّة – لينينيّة ما

أصحاب الذاكرات القويّة لا بدّ يذكرون حدثاً عربيّاً رافق انهيار الشيوعيّة السوفياتيّة ومعسكرها في غضون 1989 – 1991. آنذاك تبنّى الرئيسان العربيّان يومها، العراقيّ صدّام حسين والسوريّ حافظ الأسد، نظريّة عمّمها إعلامهما الرسميّ المتشعّب الرؤوس. النظريّة المذكورة تقول إنّ الشيوعيّة انهارت لأنّها لم تكن كحزب البعث: قوميّة وتقرّ بالملكيّة الخاصّة وتؤمن بالله.

خصوم الشيوعيّة المُزمنون من المحافظين كانوا يردّدون كلاماً مشابهاً، إلاّ أنّ صدوره عنهم لم يبدُ غريباً، إذ هذا هو موقفهم منذ ما قبل انهيار الشيوعيّة بعشرات السنين. أمّا البعثيّون، وقوميّون راديكاليّون آخرون، فكانوا قد قضوا عقدي الستينات والسبعينات وهم يحاولون الظهور بمظهر مَن يتأثّر بالماركسيّة ويطعّم بها قوميّته العربيّة. وكثيراً ما تشعّب هؤلاء وانشقّت أجنحة منهم عن أجنحة أخرى في معمعة التكيّف المزعوم مع "الاشتراكيّة العلميّة" للماركسيّة. أكثر من هذا، بدا أنّ الصلة بتلك الماركسيّة، حتّى لو كانت مجرّد صلة لفظيّة، إنّما تعطي الشرعيّة لعقيدة بعثيّة تعدّاها الزمن.

في ذلك الانقلاب، إذاً، شيءٌ ممّا يعنيه القول الشائع عن تكاثر الذبّاحين بعد وقوع البقرة. ومن هذا القبيل، يستعيد البعثيّون ومَن شابههم أكواخاً قديمة كانوا قد بدأوا يهجرونها ليؤكّدوا، في المقابل، أنّها أفضل من القصور التي تشتعل فيها النار.

هذه الخلطة الانتهازيّة – الانتقائيّة نلقاها اليوم بالغة الوضوح في بعض ما يصدر عن قادة إيران والناطقين بلسان نظامها. فمؤخّراً، أكّد قائد "الحرس الثوريّ الإيرانيّ" الجنرال محمّد علي الجعفري على عقم الحوار مع الولايات المتّحدة الأمريكيّة، بل وصف أكثر من مئة شخصيّة تطالب بالتفاهم مع واشنطن بـ "الخيانة ومناهضة الثورة". هذا ليس جديداً في قائد "الحرس". الجديد والمفاجئ هو المقارنة التي أجراها مع كوريا الشماليّة: فـ "الزعيم الكوريّ الشماليّ [كيم جونغ أون] ثوريّ، لكنّه شيوعيّ، لا إسلاميّ. لذلك استسلم".

هذه الاستعادة النقديّة للشيوعيّة كانت قد توقّفت، في اللغة السياسيّة الإيرانيّة، منذ تمكّنت السلطة الخمينيّة من تصفية الحزب الشيوعيّ الإيرانيّ (توده) وباقي الفصائل التي تقول بماركسيّة – لينينيّة ما. وهي جاءت بعد أيّام قليلة على تغريدة صدرت عن المرشد الأعلى علي خامنئي نفسه. ذاك أنّ الأخير، ومن دون أيّ مقدّمات أو أسباب واضحة، اختار أن يؤكّد "عقلانيّة" تعاطيه مع المشكلة الفلسطينيّة – الإسرائيليّة، وعلى أنّه ليس من القائلين بـ "رمي اليهود في البحر". لكنّ ما بدا أشدّ مدعاة للاستغراب أنّه "نبش" الرئيس المصريّ الراحل جمال عبد الناصر لينسب إليه تلك العبارة وينتقده عليها!

فإذا كان الجعفري قد أكّد على مزايا إيديولوجيّته الخمينيّة بالقياس مع الشيوعيّة (التي اعتبرها قليلة الراديكاليّة!)، فإنّ خامنئي أكّد على المزايا نفسها إنّما بالقياس إلى الناصريّة وقوميّتها العربيّة (التي اعتبرها راديكاليّة أكثر ممّا يجب!).

والفارق، هنا، في الموقفين لا يغيّر السمة الجامعة بينهما وبين صاحبيهما، وهي الاستخدام البالغ الذرائعيّة للإيديولوجيا.
والحال أنّ استخداماً كهذا، وبما قد ينطوي عليه من تخبّط، إنّما هو من علامات زمن لم يعد يلائم أصحابه. هنا تتعاظم الحاجة إلى تقنيّات التبرير الذاتيّ على حساب الصفاء الإيديولوجيّ، أو أنّ ذاك الصفاء يُستخدم بأشكال متضاربة وعشوائيّة يُعتَقد أنّها تفيد التبرير الذاتيّ. وفي السياق نفسه، تكثر المفاجآت على هيئة سجالات غير متوقّعة مع الشيوعيّة أو مع القوميّة العربيّة.

إنّ إيران، منظوراً إليها من هذه الزاوية أيضاً، لا تبدو في أحسن أحوالها.