تعبيرية.(أرشيف)
تعبيرية.(أرشيف)
الخميس 21 يونيو 2018 / 20:50

لم يعد لكم أخوة!

انتهى ذلك الزمن حين كان الغبار البعيد يعني أخوة في الطريق أو بريداً من العائلة، الغبار الذي ترونه هو حطام بيوت أهلكم هناك، والدخان الذي خلف التلال ليس نار قوافل أو إشارات عائدين، هو حرائق حقول أعمامكم وبساتينهم

"أنتم وحدكم الآن، لن تُطرق أبواب بيوتكم، ولن تربت يد على اكتافكم" الطرق المؤدية إلى عالمكم القديم محطمة وملقاة على اليابسة مثل جثث طويلة ملتوية.

الدروب التي كنتم تعبرونها، دون رهبة، نحو أخوتكم في الفصول القاسية وحين تضيق الدنيا، أُغلقت بالحجارة والجفاء وسوء النية.

الجسور التي كانت تلمع في ذكريات آبائكم سقطت في الوديان التي جفت منذ زمن بعيد.

"لا تنتظروا أحداً من هناك"،

انتهى ذلك الزمن حين كان الغبار البعيد يعني أخوة في الطريق أو بريداً من العائلة، الغبار الذي ترونه هو حطام بيوت أهلكم هناك، والدخان الذي خلف التلال ليس نار قوافل أو إشارات عائدين، هو حرائق حقول أعمامكم وبساتينهم التي كنتم تتباهون بها.

هذه هي الرسائل التي تتدفق على الفلسطينيين في الأرض المحتلة منذ أكثر من عشر سنين طويلة، رسائل قاسية لا عزاء فيها ولا أمل، مثل جدار من اليأس القاتم يتقدم ويسحق أحلام الناس وذكرياتهم.

قتل فكرة الأمل التي دأب الفلسطينيون على رعايتها بعد كل خسارة، واحتفظوا بها مثل أمانة راسخة، الفكرة التي كانت تنمو بقوة في أحواشهم، التي حملوها إلى منافيهم وزرعوها في صفائح الزيت الفارغة والأحواش الضيقة، القادمة من العناد والانتظار والخوف وأيدي الأخوة التي تصل في الليل.

هو الجدار نفسه الذي يدفع السوريين منذ سبع سنوات عجاف نحو القنوط وكراهية أحلامهم.

نحو "القبول"، بالضبط "القبول" بالماضي بعد تبديد الحاضر على أيدي هواة، استبدلوا "ديكتاتور" دمشق بـ "خليفة" إسطنبول، واستبدلوا "16" جهازاً أمنيا بعشرات الميليشيات، والهوس القومي بظلامية تحت قناع الدين.

الجدار الذي يندفع في الصحراء الليبية مثل أفعى هائلة من الندم، ويستبدل "الديكتاتور" المقتول بسلسلة طويلة من القراصنة وتجار العبيد.

ويتجول في شوارع صنعاء وتخومها حيث يصرخ طائفي من العصور الوسطى وهو يتمطى في كهفه في "صعدة"، دافعاً اليمنيين من ظهورهم نحو زمن من الظلام المطبق، متنكراً تحت ثلاثة أقنعة مكشوفة.

"لم يعد لكم أخوة"، هذه هي الصحراء الوحيدة التي حصلتم عليها، هذه هي الصحراء التي القيتم فيها.

كل شيء يحدث الآن في المحيط يذهب إلى الجدار، إلى فكرة اليأس والقنوط والقبول بما هو معروض.

يصرخ "نتانياهو" في وجه الفلسطينيين دون توقف:
"لم يعد لكم أخوة".

يصرخ ترامب وفريقه "الرث" من البيض:
"أنتم وحدكم الآن"

ذلك هو سلاحه الأهم، "الخوف" وتدفق العتمة الى الغرف.

تتدفق "الأدلة" المزيفة والأخبار ذات الشاهد الواحد على صفحات التواصل من مناطق مجهولة وحسابات مغفلة، وتدخل البيوت والنوافذ وغرف النوم وهي تحمل الصيحة وتلقيها على المقاعد والأسرة وفراش الأولاد والبنات.. "لم يعد لكم أخوة" "انتم وحدكم الآن"!

"ليس من الضروري أن تصدق الآن، ستصدق فيما بعد"، تلك هي اللازمة التي تتخفى وراء الصيحة.