جنود سوريون في درعا.(أرشيف)
جنود سوريون في درعا.(أرشيف)
الجمعة 22 يونيو 2018 / 12:13

معركة جنوب سوريا انطلقت...أمريكا أمام اختبار حاسم

رأى سام هيلر، الباحث في مجموعة الأزمات الدولية، أنه مع تصاعد العمليات العسكرية التي يشنها نظام بشار الأسد من أجل استعادة السيطرة على مناطق جنوب غرب سوريا الواقعة تحت سيطرة المعارضة، فإن الولايات المتحدة سوف تضطر إلى اتخاذ قرار حاسم إزاء انتهاك الاتفاق الأمريكي الروسي الأردني لمنطقة خفض التصعيد بجنوب غرب سوريا.

الرادع الرئيسي للهجوم العسكري السوري على الجنوب يتمثل في خطر أن يدفع تورط الميليشيات المدعومة إيرانياً إسرائيل للتدخل، وهذا يشكل خطراً حقيقياً على دمشق، وربما يقوّض أيضاً التدخل الحاسم لروسيا

ويلفت هيلر، في تقرير تحليلي مطول نشره موقع "War on the Rocks"، إلى أن الهجوم العسكري لقوات النظام السوري على جنوب غرب سوريا بات وشيكاً، وبخاصة مع اندلاع الاشتباكات والقصف الجوي الذي دفع الآف المدنيين إلى الفرار من جنوب غرب سوريا، الأمر الذي يشكل خرقاً واضحاً لاتفاق خفض التصعيد الذي أبرمته العام الماضي الولايات المتحدة وروسيا والأردن؛ من أجل وقف إطلاق النار في المنطقة البالغة الحساسية من الناحية السياسية؛ إذ تقع على الحدود مع الأردن ومرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل.

ويرى الباحث أنه على إدارة ترامب الاختيار بين المساعدة على انقاذ حياة المدنيين وتعزيز مصالح حلفائها المقربين (الأردن وإسرائيل) أو الفشل في الانخراط بجدية في المفاوضات والسماح للأحداث باتخاذ مسار أكثر وحشية يقود إلى دحر بقية المعارضة في جنوب غرب سوريا وكذلك القضاء على النسيج الاجتماعي المتبقى في المنطقة، وتبديد أي شروط أو ضمانات ربما كان يمكن استخدامها من قبل واشنطن وحلفاؤها في التفاوض.

اتفاق خفض التصعيد
ويشير التقرير إلى أن الاتفاق الأمريكي الروسي الأردني لخفض التصعيد قد أسس العام الماضي منطقة عازلة تستثني الميليشيات الأجنبية المدعومة إيرانياً، مع التزام مماثل بطرد الجهاديين من منطقة خفض التصعيد. وأسفر اتفاق وقف إطلاق النار عن تجميد الحرب الأهلية في درعا والقنيطرة في جنوبي سوريا. ورغم مناقشة توسيع حجم المنطقة العازلة، فإن المفاوضات الثلاثية لرعاة الاتفاق قد تعثرت في أواخر العام الماضي.

ويكتسب جنوب غرب سوريا أهمية كبرى في الصراع بين إسرائيل وإيران حول طبيعة الوجود الإيراني في سوريا ومدته (سواء بالقرب من الجولان أو في جميع أنحاء سوريا)، وهو صراع إقليمي يوازي الحرب الأهلية في البلاد، بحسب التقرير، لاسيما أن إسرائيل مقتنعة بأن تدخل إيران وحزب الله لانقاذ نظام بشار الأسد يهدد التوازن في المنطقة.

وقد أعلنت إسرائيل أنها لن تسمح بترسيخ وجود عسكري إستراتيجي دائم لإيران في سوريا، وتشمل الخطوط الحمراء التي ستدفع بعمل عسكري إسرائيلي ضد إيران وجود ميليشيات مدعومة إيرانياً في مواقع هجومية بالجنوب الغربي في مقابل الجولان المحتل، وبالفعل شنت إسرائيل سلسلة من الهجمات المتصاعدة ضد أهداف إيرانية في سوريا وتتزايد مخاطر التصعيد بشكل خطير إلى حرب مفتوحة بين إسرائيل وإيران. وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تكن مشاركة في محادثات اتفاق خفض التصعيد، فإن هذا الاتفاق يخدم الحاجات الأمنية لكل من إسرائيل والأردن.

السياسة الأمريكية إزاء سوريا
وكان من المفترض ألا يقتصر اتفاق خفض التصعيد على وقف إطلاق النار؛ وإنما يكون أساساً لصفقة أكثر اكتمالاً وتطوراً للجنوب الغربي الذي تسيطر عليه المعارضة، ولكن سياسة التحول التي انتهجتها إدارة ترامب أسفرت عن تقويض الاتفاق بدلاً من التقدم في المفاوضات لإبرام صفقة شاملة؛ وبخاصة عندما قررت الولايات المتحدة وقف دعم المعارضة السورية وتسليحها، ويعني ذلك تهديد تماسك معارضة الجبهة الجنوبية الغربية وأي توازن عسكري يدعم وقف النار.

وعلاوة على ذلك، اتبعت إدارة ترامب إستراتيجية جديدة إزاء سوريا في أواخر عام 2017 تبنت نهجاً تصادمياً مع دمشق للضغط من أجل إزاحة الرئيس بشار الأسد عن السلطة من خلال حرمان الحكومة السورية من الوصول إلى مناطق كبيرة في البلاد خارج نطاق سيطرتها الحالية وحرمانها من الموارد الاقتصادية، بما في ذلك التجارة العادية مع الدول المجاورة، كما قررت إدارة ترامب تجميد مساعدات إعادة الإعمار لسوريا في شهر مارس الماضي، وقد أدت كل هذه الأمور، بحسب التقرير، إلى تقويض اتفاق خفض التصعيد.

عودة سيطرة الأسد على الجنوب
ويرى التقرير أنه مع غياب احتمالات استمرار اتفاق خفض التصعيد وتطويره لتلبية الاحتياجات السياسية للحكومة السورية في دمشق، فإنه لا يوجد حافز لدى الأخيرة للسماح للمعارضة بالسيطرة على الجنوب الغربي، وبخاصة بعد سقوط الجيوب التي كانت واقعة تحت سيطرة المعارضة في أماكن أخرى. وأكد الأسد مؤخراً أنه إذا لم تنجح العملية السياسية فسيتم تحرير الجنوب بالقوة. ومن الناحية العسكرية، لا تبدو هذه المهمة صعبة على الجيش السوري، وبخاصة إذا قدمت روسيا الدعم الجوي لشن الهجوم على المعارضة.

ويوضح التقرير أن الرادع الرئيسي للهجوم العسكري السوري على الجنوب يتمثل في خطر أن يدفع تورط الميليشيات المدعومة إيرانياً إسرائيل للتدخل، وهذا يشكل خطراً حقيقياً على دمشق، وربما يقوّض أيضاً التدخل الحاسم لروسيا التي تستثمر علاقاتها مع كل من إسرائيل والأردن. ولكن دمشق تستطيع حشد قوات سورية جديدة بعد انتصاراتها في مناطق أخرى وكذلك الاستفادة من الدبلوماسية الروسية النشطة في تقويض خطر التحرك الإسرائيلي.

ويكشف التقرير أن إسرائيل وروسيا قد توصلتا إلى تفاهم أولي حول عودة سيطرة نظام الأسد إلى الجنوب الغربي للبلاد، شرط استبعاد الميليشيات المدعومة إيرانياً من المنطقة واستمرار حرية إسرائيل في شن ضربات داخل سوريا، وذلك بحسب تقارير إخبارية وتصريحات أدلى بها مسؤولون إسرائيليون. وقد أعلن مسؤولون إيرانيون عن دعمهم لجهود روسيا في استعادة سيطرة الدولة السورية على الجنوب الغربي، وقالوا إن "إيران لن تشارك في الهجوم، ولكنها ترفض أيضاً فكرة الانسحاب كلياً من سوريا وفقاً لمطالب إسرائيل الأخيرة".

التفاوض .. الحل البديل
ويلفت التقرير إلى تحذير وزارة الخارجية الأمريكية لدمشق من انتهاك اتفاق خفض التصعيد والتوعد باتخاذ "تدابير حازمة ومناسبة"، ولكن لا إشارات حتى الآن عما ينطوي عليه هذا التهديد من الناحية الفعلية. وباستثناء بعض التطورات المفاجئة، فإن نظام الأسد بات على وشك إعادة السيطرة على جنوب البلاد، لذا ينبغي على الولايات المتحدة التفاوض سريعاً على تسوية لتجنب الحرب المفتوحة والمعركة الفوضوية الوحشية في الجنوب، وذلك من خلال الحفاظ على الاتفاق الثلاثي لوقف إطلاق النار والتفاوض حول تطوير صفقة "خفض التصعيد" إلى "مناطق استقرار" وكذلك التوصل إلى تسوية مكتملة شاملة للجنوب الغربي بحيث يكون خالياً من الميليشيات المدعومة إيرانياً، ومراعاة مصالح الحلفاء في دول الجوار.