حصة دراسية في مدرسة إماراتية (أرشيف)
حصة دراسية في مدرسة إماراتية (أرشيف)
الأحد 24 يونيو 2018 / 20:15

أنا وأنت ووزير التربية

عشرون سنة قضيتها في ميدان التربية والتعليم، بين أروقة المدارس معلماً، وفي مؤتمرات التربية متحدثاً، وبين كتب التربية قارئاً وباحثاً وكاتباً، وبين نخب الفكر رئيساً لقسم المناهج العربية.

الظاهرة الصحية في أي مجتمع أن يكون للأفراد جميعهم باختلاف توجهاتهم ومشاربهم رأي، وإسهام فكري ودور في نهضة المجتمع. والآفة في الموضوع أن يكون هذا الرأي معيقاً غير مطور، سقيماً غير صحيح، قاصراً غير ناضج

وكنت يومها أرى أن 90% مما أطرحه يقابل باعتراض 80% من أهل التربية، لإصرارهم على الاحتفاظ بـ 70% مما ألفوه في ممارساتهم طلاباً وتربويين وعدم جرأتهم على المغامرة بأي تغيير يتعدى الثلث. فالثلث في نظرهم كثير.

ذات مرة جمعني لقاء بوزير تربية وتعليم سابق، فذكرت له ما أكابد في مواجهة تكلس فكري وجمود معرفي، فضحك وقال: زارني وزير التعليم المصري ذات مرة، فشكوت له وضعاً غير صحي أعالجه يتمثل في انتقادات غير واعية وحملات موجهة ومطالب مسيسة من المعلمين وأولياء الأمور والصحافة وذكرت له أني أفكر في الاستقالة. فسألني الوزير المصري، كم عدد الطلاب عندكم في جميع مراحل التعليم، فأعطيته رقماً لا يتعدى المئة ألف في تلك الأيام. فضحك عندها وقال: فماذا أقول أنا وأنا أواجه 50 مليوناً كلهم يرون أنفسهم خبراء مناهج واختصاصي تعليم.

الظاهرة الصحية في أي مجتمع أن يكون للأفراد جميعهم باختلاف توجهاتهم ومشاربهم رأي، وإسهام فكري ودور في نهضة المجتمع. والآفة في الموضوع أن يكون هذا الرأي معيقاً غير مطور، سقيماً غير صحيح، قاصراً غير ناضج، تابعاً غير أصيل. ثم يجد صاحبه من الجرأة ما يجعله يستغل هامش الحرية وجاذبية الوسيط وفكاهية التقديم وسخافة المتلقي فيعتقد أن رأيه أصبح رأياً عاماً.

والطامة الكبرى أن يعطيه هذا الاعتقاد حق الخروج عن النص، فيغيب الأدب في الطرح وتفتقد الموضوعية في النقد، وتنتهك حرمة المؤسسات الرسمية والقرارات السيادية.

يدرك كل من في وزارة التربية وعلى رأسهم وزير التربية، أن من حق كل أفراد المجتمع إبداء رأيهم في المناهج والتقويم والامتحانات والأنشطة وكل ما يتصل بالمدرسة والوزارة. لكنهم يترقبون أيضاً من المعلمين وهم القدوات، ومن الآباء وهم أيضاً القدوات، أن ينقلوا لأبنائهم وطلابهم، شيئاً مما تضعه وزارة التربية في أجندتها، وتعرضه على المجتمع في وثائقها، وهو السعي لبناء مواصفات الطالب الإماراتي.

إن سجل المواصفات كما أعلنته وزارة التربية، يظهر تطبيقه العملي ليس في ثنايا المنهج، ومضمون الكتاب، وممارسات اليوم الدراسي فحسب، بل يتجلى واضحاً بشكل أعمق وأرسخ في السلوك المجتمعي للمعلم أولاً، ولولي الأمر ثانياً.

إن سجل المواصفات الطالب الإماراتي يستند إلى قيم وطنية منصوص عليها في وثائق أساسية مثل رؤية الإمارات 2021 ويوجه عملية النمو المتكامل للتعليم عن طريق ترسيخ القيم الأخلاقية والشخصية الاجتماعية التي تؤدي إلى مجتمع صحي وحيوي.

وهي ما يجب على المجتمع أن يراعيه بدلا من الانجرار خلف تهريج وتشويش يدعي أصحابه أنهم نقاد وخبراء مناهج.