جاريد كوشنر،مستشار الرئيس الأمريكي وصهره (أرشيف)
جاريد كوشنر،مستشار الرئيس الأمريكي وصهره (أرشيف)
الإثنين 25 يونيو 2018 / 20:37

هل حقاً فشلت صفقة ترامب؟

ابتهج الفلسطينيون ومعهم أنصار قضيتهم في دول الجوار العربي بما تسرب عن رفض مصري وأردني واضح للخطة الأمريكية الكريهة المسماة صفقة القرن، وهي الخطة التي حملها جاريد كوشنر وجيسون غرينبلات في جولتهما الأخيرة في المنطقة.

صفقة القرن لم تنته، وإن كانت فشلت كرزمة، فإنها لم تفشل في العبث بالتفاصيل وتغييب ملفات أساسية كانت دائماً حاضرة في مشاريع الحلول التسووية

وعبر كتاب ومحللون عن تفاؤلهم المحق بالموقف المصري والأردني الملتزم بحل الدولتين والذي يعتبر ثابتاً غير قابل للتغيير في السياستين المصرية والأردنية.

وذهب البعض، مدفوعاً بالتفاؤل، إلى حد الحكم على مشروع ترامب بالفشل، وهو تقدير لا يبدو مبالغاً في ضوء تخندق القاهرة وعمان في موقع الرفض لأي حل على حساب الفلسطينيين وحقهم المشروع في السيادة على بعض أرضهم وما فيها من مقدسات إسلامية ومسيحية.

رغم ذلك، فإن واشنطن لم تعلن التراجع عن مشروعها الكريه، ويبدو أنها ماضية فيه إلى النهاية، بغض النظر عن الرفض الفلسطيني والعربي المعلن، وذلك لأن ترامب وفريق إدارته معنيون برضا إسرائيل ويهود أمريكا، أكثر مما هم معنيون بردود الفعل الفلسطينية والعربية على انحيازهم البشع للاحتلال.

يبدو أيضاً أن واشنطن لا تترك شيئاً للصدفة، وهي تمهد لخطوات سياسية واقتصادية تساعد في دفع التوجه للتفكير في الأفكار الأمريكية بدلاً من رفضها الفوري المطلق. وقد نجحت في إيصال الاحتقان الداخلي الفلسطيني إلى حد غير مسبوق يدفع بالفعل إلى البحث عن مخارج وحلول يبادر الأمريكيون إلى طرحها تحت شعار الدعم الإنساني للشعب الفلسطيني، وهم يتحدثون الآن عن مشروعات تنموية بمليارات الدولارات في قطاع غزة كخطوة أولى.

لكن ما لا يستطيع الأمريكيون إدراكه أو تشخيصه هو الوعي الجمعي الفلسطيني والوطنية الفلسطينية التي لا يمكن أن تقبل التعاطي مع قضية الحرية بمنظور الصفقات وقياس الربح والخسارة.

لذا، فإن الرفض هو مصير أي أفكار تقدمها الإدارة الأمريكية الحالية، خاصة بعد جريمة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ويخطئ الأمريكيون كثيراً إذا اعتقدوا أن هذا الرفض يمكن اختصاره في بيانات السلطتين القمعيتين في الضفة وغزة، فقد تجاوزهما الشارع، ووفر الموقف الأمريكي المعادي للفلسطينيين، فرصة للقوى الحية في المجتمع الفلسطيني لتجاوز خطاب الانقسام الفصائلي والأطر الشائخة في الساحة التي انتقلت من حالة الاشتعال الثوري إلى الانطفاء التسووي، ولم تحصد إلا الخيبة.

وسوف تأخذ هذه القوى زمام المبادرة في لحظة الحسم وحين تتقدم واشنطن بخطوات جديدة وحين تعود سلطة رام الله إلى التأكيد على المسار التسووي باعتباره خياراً وحيداً وتنخرط سلطة الانقلاب في غزة في لعبة التفاوض المباشر مع الاحتلال.

سيكون هناك جديد فلسطيني مُبشر، لا نعرف مواصفاته حتى اللحظة، لكنه آت لا محالة، مع استمرار حراك الشارع الذي لا يقدس إلا قضية الحرية والانعتاق من الاحتلال وأدواته في الضفة والقطاع.

ولعل من أولويات الجديد الفلسطيني القادم مواجهة وإحباط المشروع الأمريكي للحل، لأن صفقة القرن لم تنته، وإن كانت فشلت كرزمة، فإنها لم تفشل في العبث بالتفاصيل وتغييب ملفات أساسية كانت دائماً حاضرة في مشاريع الحلول التسووية. واستطاعت واشنطن التعتيم على قضايا في غاية الأهمية واختصار الحل كله في مصير القدس ومآلات السيطرة عليها.

يتركز الحديث الآن حول القدس والمقدسات، ولا ذكر لملفات أخرى رئيسة كملفات اللاجئين والحدود والمستوطنات، وهي قضايا لا يمكن التوصل إلى أي حل دون حسمها.

رُب ضارة نافعة، وربما يكون الانحياز الأمريكي لإسرائيل والذي يعبر عن نفسه بوقاحة غير مسبوقة، دافعاً لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني بما يليق بشعب قدم هذا القدر الكبير من التضحيات من أجل أقدس قضية في الوجود وهي قضية الحرية.

فشلت صفقة القرن جزئياً، ونجحت جزئياً، ولن تموت إلا بحراك شعبي فلسطيني يعود إلى خبرة التجربة التي تؤكد أن لا شيء من الغرب يسر القلب.