مستشار الرئيس الأمريكي وصهده جاريد كوشنر.(أرشيف)
مستشار الرئيس الأمريكي وصهده جاريد كوشنر.(أرشيف)
الجمعة 29 يونيو 2018 / 19:19

كوشنر يطلق النار بين قدميه!

يجهل كوشنر الارتباط التاريخي بين القضية الفلسطينية والشعوب العربية ويعتقد أنه ارتباط عرضي وهامشي لا أهمية له، ولهذا فهو يراهن ووفقاً لقناعات نتانياهو ورؤيته على إمكانية خلق تناقض بين الشعوب العربية ومصالحها من جهة والقضية الفلسطينية من جهة أخرى

تعزز الأحداث والتطورات المتعلقة بموضوع ما يسمى بعملية السلام في الشرق الأوسط وبخاصة على المسار بين الفلسطينيين وإسرائيل القناعة لدى الكثير من المراقبين أن المكلفين بهذا الملف ورعايته هم مجرد هواة وعديمو الخبرة في السياسة وبدأوا تعلمهم السياسة بأكثر الملفات تعقيداً وأكثرها تشعباً.

كل ما يملكه جاريد كوشنر من رصيد في عالم السياسة أنه فقط زوج إيفانكا ابنة الرئيس ترامب، وقد أهلته هذه الصفة مع يهوديته المتعصبة ليكون مسؤولاً عن الملف الفلسطيني في البيت الأبيض، وقد تعامل معه منذ اليوم الأول لتوليه هذا الملف الحساس والدقيق بمنتهى الجهل بخلفية القضية الفلسطينية وبمنتهى الاستخفاف بمفاصلها التاريخية، وأعتقد جازماً أنه تعامل مع البعد المتعلق بالأرض من خلفيته كتاجر عقارات، الأرض لا تعني له أكثر من سلعة تُباع وتُشترى، وهذه الخلفية التجارية جعلته يعتقد أن الأوطان هي مجرد عقارات وأراض برسم البيع مقابل أسعار مغرية.

من أبرز الأخطاء التي وقع فيها كوشنر ما يلي:
أولاً: اعتقاده بأن علاقات واشنطن العربية كفيلة بأن تجعل الفلسطينيين يقبلون "بصفقة القرن" ويرضخون لاستحقاقاتها وهنا أقولها وأنا واثق أنه لا يوجد فلسطيني واحد يقبل بالعرض الذي تسرب عن ما يسمى بصفقة القرن وأبرز عناوينها لا قدس، لا دولة فلسطينية مستقلة، ولا عودة للاجئين.

ثانياً: خلفيته الضحلة والمشوهة عن مفهوم الوطن والوطنية جعلته يطبخ "صفقة القرن" ويعرضها على إسرائيل وأخذ مباركتها، وعلى أطراف عربية وأخذ موافقتها، وأعتقد أنه بذلك ضمن تمرير تلك الصفقة.

ثالثاً: لأنه ليس خبيراً في العلوم الإنسانية والاجتماعية، يعتقد أنه يستطيع عقد قران بين عروس لا تعرف وجه عريسها، أي يعتقد كوشنر وبجهله أنه يستطيع تمرير "صفقة القرن" بمجرد موافقة العريس "إسرائيل"،أما العروس وهي "الفلسطينيون " فلا أهمية لرأيه، فكوشنر تعامل ويتعامل مع العروس الفلسطينية على اعتبار أنها "سبية" من سبايا الحرب أو الهزيمة، ولا يدرك أن زواجاً من هذا النوع هو نوع من الاغتصاب الذي يولد العنف والثورة وحتماً سينتهي بمأساة.

رابعاً: يجهل كوشنر الارتباط التاريخي بين القضية الفلسطينية والشعوب العربية ويعتقد أنه ارتباط عرضي وهامشي لا أهمية له، ولهذا فهو يراهن ووفقاً لقناعات نتانياهو ورؤيته على إمكانية خلق تناقض بين الشعوب العربية ومصالحها من جهة والقضية الفلسطينية من جهة أخرى، وهي نظرية ما زالت الأحداث تؤكد بطلانها، ويمكن لكوشنر أن يتأكد من " تفاهة" أفكار نتانياهو من خلال اختبار بسيط ألا وهو أن يطالب الحكومات العربية الموافقة على صفقة القرن الإعلان عن تلك الموافقة وما تعنيه من تفريط بالقدس والحق الفلسطيني.

خامساً: تعامل كوشنر مع الأردن باعتباره "حالة بديلة" عن الحالة الفلسطينية، ولكونه جاهلاً بتاريخ الارتباط بين الاردن أرضاً وشعباً ونظاماً سياسياً بالقضية الفلسطينية حاول ممارسة الضغوط وبخاصة الاقتصادية منها على الأردن للقبول بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل وهو بكل تأكيد يجهل طبيعة العلاقة بين العائلة الهاشمية والقدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، وهو ما شرحه الملك عبد الله لترامب خلال زيارته الأخيرة لواشنطن لإيضاح خلفيات رفضه للصفقة.

الدرس الأهم في تاريخ القضية الفلسطينية الذي يجهله ترامب ومعه كوشنر وغرينبلات وغيرهما في هذه الادارة الصهيونية أن كل الصفقات والتسويات عبر تاريخ القضية التي كانت تتم بدون صاحب القضية نفسه باءت بالفشل، وأن كل الصفقات التى كانت تقزم حقوق صاحب القضية منذ مشروع روجرز في سبعينيات القرن الماضي مروراً بمؤتمر مدريد وبعده اتفاق أوسلو وما نتج عنه من تشتيت للحق الفلسطيني والدخول في كهف ومتاهة المفاوضات، كل تلك الصفقات والمشاريع كانت وستبقى بحاجة للرقم السري المسمى الشعب الفلسطيني.