صورة من تجمع لحركة «مجاهدين خلق» الإيرانية في باريس.(أرشيف)
صورة من تجمع لحركة «مجاهدين خلق» الإيرانية في باريس.(أرشيف)
الأربعاء 4 يوليو 2018 / 20:09

إذا سقط النظام الإيرانيّ!

نظام طهران ليس مجرّد نظام سيئ مثله مثل أنظمة كثيرة في منطقتنا وعلى سطح كرتنا الأرضيّة. إنّه، أبعد من هذا بكثير، نظامٌ يهدّد بتغيير الطبيعة المعطاة نفسها

إذا صحّ خبر الشبكة الإرهابيّة الإيرانيّة المكلّفة بتصفية معارضين في الخارج، فإننا أمام انعطاف بالغ الأهميّة يتعدّى بكثير "إحراج" الرئيس الإيرانيّ حسن روحاني فيما يقوم بجولة أوروبيّة.

فالذي يقدم على عمل كهذا يائس بالضرورة، بل هو مدفوع باليأس إلى أمكنة بعيدة جداً. واليأس له أسبابه الكثيرة التي لم يعد أيّ منها سرّاً: فالأزمة الاقتصاديّة التي أنزلت الآلاف إلى الشوارع باتت طاحنة، تؤجّجها العقوبات الأمريكيّة وانعكاسها على القدرة الإيرانيّة على إنتاج النفط، بينما يتحوّل انهيار العملة الوطنيّة إلى إحدى مرايا الأزمة الأشدّ دلالة. وليس قليل المعنى أن يصل الاستياء من الحال الاقتصاديّة والفساد المستشري إلى تجّار البازار: هؤلاء، للتذكير، كانت لهم الكلمة الفصل في إسقاط شاه إيران ونظامه قبل قرابة أربعين عاماً.

لكنّ الأمور سياسيّاً ليست أفضل حالاً، لا سيّما منها ما يتعلّق بالصراع المتفجّر داخل أروقة السلطة، بين جناح روحاني الموصوف بـ "الاعتدال" وجناح "الحرس الثوريّ" المتطرّف. لقد بات الكلام عن هذا الصراع صريحاً لا يحوج إلى مواربة ولا يحتاج إلى تفسير. يفاقم الوضع موقف أمريكيّ ضاغط لم يعد بعض رموزه ورسميّيه يتهيّبون المجاهرة برغبتهم في إسقاط النظام في طهران.

وقد يكون أهمّ من سواه ذاك الحصاد الذي يُرجَّح أن يكون بائساً في سوريّا بعد تكبّد أكلاف جسام. ذاك أنّ التوافق الروسيّ – الإسرائيليّ، وضمناً الأمريكيّ، على انسحاب إيران، أو سحبها، بات موضوعاً ساخناً على الطاولات الإقليميّة والدوليّة. سيناريو الصحافيّ الأمريكيّ ديفيد إغناثيوس في "واشنطن بوست" والزيارة الأخرى، بعد أيّام، من بنيامين نتانياهو إلى موسكو للقاء فلاديمير بوتين يقولان ذلك. فإذا أضفنا ما يحصل في بلدان عربيّة أخرى، من تراجع هنا وتعثّر هناك، بات التبرير الرسميّ الذي يُقدّم للإيرانيّين عن "تضحيات يُمليها الدفاع عن إيران" ذا طاقة إقناعيّة ضعيفة جدّاً.

تعداد هذه العوامل ليس بالأمر الجديد، وبالطبع فهو لا يقتصر على هذه الأسطر. لكنّ تكرارها إنّما يؤكّد أهميّة التعويل على سقوط الوضع الإيرانيّ الراهن، ومدى الاستعداد لاستقبال هذا الحدث والترحيب به. ذاك أنّ نظام طهران ليس مجرّد نظام سيئ مثله مثل أنظمة كثيرة في منطقتنا وعلى سطح كرتنا الأرضيّة. إنّه، أبعد من هذا بكثير، نظامٌ يهدّد بتغيير الطبيعة المعطاة نفسها. يكفي تأمّل الربط الاستراتيجيّ بين طهران وغزّة من جهة، وبين طهران وصنعاء من جهة أخرى، أو حجم الانقلاب الأهليّ الذي يحمله أيّ انتصار إيرانيّ كبير لأيّ نسيج وطنيّ في أيّ من بلدان المنطقة. وقد تكون التحوّلات الديموغرافيّة التي شهدها، ويشهدها، بلد كسوريا بالغة الدلالة على الصعيد هذا.

ويمكن أن نقيس ذلك التحوّل المحتمل من زاوية أخرى: إنّها مدى الانفراج الذي يحرزه أيّ واحد من البلدان المستَهدفة بالتدخّل الإيرانيّ في حال سقوط النظام الخمينيّ، ومن ثمّ كميّة الدم التي يمكن توفيرها. يصحّ ذلك في سوريّا واليمن خصوصاً، ولكنْ أيضاً في العراق ولبنان وفلسطين. وهذا فضلاً عن الحرّيّة لعشرات ملايين الإيرانيّين.

مع ذلك، فالحظوظ الكبرى لخيار كسقوط النظام الإيرانيّ لا ينبغي أن تردع عن التحفّظ. وأشدّ ما يدعو إلى ذلك عقل دونالد ترامب وسلوكه وتغريداته. فهو، وقد سبق أن أهان الإيرانيين كشعب ومن دون تمييز، قد يكون شكل تدخّله ذا تأثير سلبيّ، بحيث يكتّل الإيرانيّين قوميّاً، ولو مؤقّتاً، ضدّه. هذا طبعاً إن لم يغيّر رأيه لهذا السبب أو ذاك. هامش التحفّظ، مع ترامب، يبقى قائماً. الحصافة تقتضي أن يبقى كذلك.