وزير الخارجية الصيني وانغ يي يمين)ونظيره الفلسطيني رياض المالكي في بكين (رويترز)
وزير الخارجية الصيني وانغ يي يمين)ونظيره الفلسطيني رياض المالكي في بكين (رويترز)
الثلاثاء 17 يوليو 2018 / 20:38

الرهان الصيني

ثمة ما يستحق المقاربة لدى معاينة التعاطي الفلسطيني الحذر مع مبادرة حل القضية الفلسطينية المنتظر أن تعيد الصين طرحها بعد عام من الفشل في إبقائها قيد تداول الأطراف الفاعلة في المشهدين الإقليمي والدولي.

يجمع الموقف الفلسطيني بين "ضيق الافق" و "المغامرة" وهو يحاول الاستعانة بالمبادرة الصينية لاعاقة "صفقة القرن" التي يجري تطبيقها الفعلي على أرض الواقع

في رد فعلها الاولي تعاملت قيادة السلطة الفلسطينية مع إعلان السفير الصيني غو وي عن إعادة طرح المبادرة باعتباره القشة التي يتجاوز فعلها إنقاذ الغريق لكنها حرصت في المقابل على إبقاء الطريق مفتوحاً لخفض سقف الرهان .

حذر التفاعل الفلسطيني وإفرازه المركب خضعا لعدد من المعطيات يتعلق بعضها بالحالة الفلسطينية الراهنة والبعض الآخر بدوافع الصين، ولا يخلو الأمر من قلق يثيره صخب المشهد الدولي.

لعل أول هذه المعطيات ارتهان "التفكير الرسمي" و"هامش الحركة" الفلسطينيين منذ سبعينيات القرن الماضي لفكرة الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات التي ترى أن معظم أوراق اللعبة لدى الولايات المتحدة، فلم تبتعد حدود هوامش التحركات السياسية الفلسطينية عن محاولات تحسين شروط الحل الأمريكي ولإعادة التموضع السياسي للتواؤم مع التصورات الأمريكية والحد من التأثيرات السوفيتية على التوازنات الداخلية لمنظمة التحرير، ولم يخرج تفكير قيادة السلطة عن هذا السياق على رغم ضجيج اعلان رفضها ما يعرف بصفقة القرن.

بعض عوامل صياغة الموقف الرسمي الفلسطيني يرتبط بشكوك القيادة الفلسطينية في احتمالات صمود المبادرة الصينية لدى إعادة طرحها والشوط الذي يمكن ان تقطعه بكين لإحداث اصطفافات دولية وإقليمية مختلفة عن الاصطفافات الراهنة .

يقابل هذه الشكوك شك صيني في أن تلقى إعادة طرح المبادرة حظوظاً أفضل من التي لقيتها لدى طرحها في المرة الأولى ويعود بعض هذا الشك إلى نظرة بكين للقيادة الفلسطينية فلم تكن الصين بعيدة في يوم من الأيام عن تفاصيل التوجهات والإفرازات الداخلية في المشهد السياسي الفلسطيني بشقيه "الشرقي" و"الغربي"، والتحولات الفكرية الفلسطينية التي لم تخرج في أحسن أحوالها عن محاولات التجريب وبلغت كاريكاتورية بعضها حد المزاوجة والتوفيق بين "الماوية" و"الأسلمة" لينتهي إلى ضبط المسار على إيقاع الخمينية.

علاوةً على شكوكهم في هلامية المتبقي والمعلن من ثوابت الموقف الفلسطيني، يعي الصينيون أيضاً هشاشة الواقع العربي الذي يرون فيه ساحة مواجهة اقتصادية وسياسية مع الولايات المتحدة، ولا يغيب عن بكين قلة قدرة معظم العواصم العربية على حسم خياراتها تجاه القضايا المفصلية، ومن بينها القضية الفلسطينية.

بذلك تلتقي رام الله و بكين عند غياب ثقة متبادل عمقته الرياح التي هبت على الصين، والقضية الفلسطينية خلال العقود الماضية ورغبة الاستثمار الآني في نقاط لقاء يصعب البناء عليها .

يجمع الموقف الفلسطيني بين "ضيق الأفق" و "المغامرة" وهو يحاول الاستعانة بالمبادرة الصينية لإعاقة "صفقة القرن" التي يجري تطبيقها الفعلي على أرض الواقع، فلم تتوقف رام الله عن المراهنة على حدوث متغيرات في الموقف الأمريكي ما يعني تمسكها بالبناء على الفكرة "الساداتية" وعدم جديتها في إخراج الولايات المتحدة من دائرة الوساطة، وتراهن في الوقت ذاته على تطور محتمل في الأداء الصيني يتيح الضغط على الإدارة الأمريكية، ولا تخلو هذه التكتيكات من ايحاءات الاحتفاظ برتابة الاداء السياسي وعدم الاكتراث بضرورات المراجعة، وفي طريق عودتها القسرية إلى مناخات الحرب الباردة واحتفاظها ببراغماتية أفقدت القضية الوطنية ملامحها تبقي على خيار حل الدولتين الذي لم يعد ممكناً في ظل التغييرات أحادية الجانب في الضفة الغربية.