الاحتباس الحراري (تعبيرية)
الاحتباس الحراري (تعبيرية)
الجمعة 20 يوليو 2018 / 21:09

الأرض مسطحة

علق في ذهني الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام خلال الأسبوع الماضي عن وصول درجة الحرارة في ليوا إلى 51.5 درجة مئوية، فيما وُصفت بأنها ظاهرة بيئية قياسية تسجل للمرة الأولى خلال العام الجاري.

في "مدينة العنود الفاضلة" التي لا يسكنها سواي، بتنا ندرك أنه ليس لدينا الوقت لنخوض الجدالات العقيمة مع المشككين في الاحتباس الحراري، والمستبشرين خيراً بشح المياه العالمي، والمقللين من خطورة انقراض أنواع الحيوانات

كخليجية وُلدت في هذا "الفرن" الجغرافي، و"تحمصت" تحت شمسه، لا يثير الرقم في حد ذاته ذعري.

بل اعتدت الضحك منذ طفولتي على نشرات حالة الطقس المحلية، والتي تتوقف فيها جميع الدرجات بقدرة قادر عند 49 درجة مئوية، وكأنما سيقع علينا الرقم الحقيقي كالصاعقة.

ولكن فيما رحنا خلال الأيام القليلة الماضية نطرح أسئلةً مشروعةً عما يحدث لمناخنا، وعما سيحدث مستقبلاً، وإلى أي مدى ستتمادى هذه الطبيعة في طهينا كالضبّان في القدر، أكره الاعتراف بأني سعدت قليلاً بغياب بعض الأصوات عن النقاش، وانشغالهم بنقاشات من نوع مختلف. ومتخلف.

فصفحات الإنترنت، والمقاطع المصورة، والتدوينات على وسائل التواصل الاجتماعي، باتت تعج بالمتعلمين المثقفين المُطلعين الذين ينكرون كروية الأرض، ويعتقدون بوجود مؤامرة من "ناسا" تهدف إلى خداعنا جميعاً. فالأرض في عُرفهم مسطحة، وتحيط بها قُبة غير مرئية، تماماً كالصينية التي تضع فيها والدتكم كعك العيد، ثم تغطيه صوناً له من الأيدي العابثة.

وسأقف ضد كل ما أتمناه لنفسي وللآخرين من تنوير وتثقف ووعي، وأقول إني لم أعد أمانع هذا العته، ولن أكتب حرفاً في سبيل تغييره.

ففي "مدينة العنود الفاضلة" التي لا يسكنها سواي، بتنا ندرك أنه ليس لدينا الوقت لنخوض الجدالات العقيمة مع المشككين في الاحتباس الحراري، والمستبشرين خيراً بشح المياه العالمي، والمقللين من خطورة انقراض أنواع الحيوانات بوتيرة أسرع ألف مرة من المعدل الطبيعي! نحن أمام مأزق يحتم علينا أن نأنف استخدام الأكياس البلاستيكية، ونعيد تدوير نفاياتنا، ونُصر على تعقيم حيواناتنا الأليفة.

ليس لدينا الوقت لنتساءل: أهي رغبة مرضية في الاختلاف والشذوذ عن السائد؟ أهو هوس الظهور بمظهر العالم بخبايا الأمور، ومحاورة الآخرين باعتبارهم سُذجاً قد ضُحك عليهم؟ أهو الضجر؟ أهي لعبة الحوت الأزرق؟

لندعهم يتناقشون حتى يرث الله أرضهم المسطحة ومن عليها. لندعهم يقسمون على وجود القبة، التي لا بد وأنها ستحتاج إلى تنظيف في القريب العاجل، ويكذّبون مزاعم طيب الذكر إسحاق نيوتن بوجود الجاذبية، ويكشفون فضيحة نيل آرمسترونغ وخطوته الأسطورية على القمر.

فعلى غرار ذلك المشهد المتكرر في مسلسلات الرسوم المتحركة، ربما حان الوقت أن نترك الجبابرة الأغبياء ينهالون على بعضهم بعضاً بالعصي والهراوات، واللكمات والصفعات، ونتسلل بخفة من بين أياديهم. فإن لم نفعل ذلك، لن تمهلنا الحياة لننقذ ما يمكن إنقاذه، وسيلتهمنا الطوفان دون أن يضع أي اعتبار للموقف الذي كنا نتخذه، والأفكار التي كنا نؤمن بها.

سأقولها للمرة الأولى، دعوهم في عتمة الغباء والحمق. بل اعتبروه ترشيداً مفيداً لاستهلاك الكهرباء.