الإخواني السعودي سفر الحوالي (أرشيف)
الإخواني السعودي سفر الحوالي (أرشيف)
السبت 21 يوليو 2018 / 20:53

سفر الحوالي والحضارة الغربية

صدر هذه الأيام كتاب جديد يحمل عنوان "المسلمون والحضارة الغربية" من تأليف د. سفر بن عبدالرحمن الحوالي، وأصبح حديث الناس.

شكك بعض من قرأه في أن يكون الشيخ الحوالي الذي نعرفه من خلال كتابيه "العلمانية" و "ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي" كاتب هذا الكتاب، واحتجوا بأن اللغة ليست لغة الحوالي ولا بصمته، وأن من كتبه مجموعة تشاركت أيديهم في إناء واحد وأن تحريره تم بأيد لها علاقة بالنظام القطري، ثم خرج الكتاب في 3059 صفحة.

على كل حال، لا يُهم من كتبه، لكن لا محيد عن نقد هذا النص الغريب، وتسليط الضوء على ما فيه من تخليط وتناقض.

حقيقةً هو ليس بكتاب بقدر ما هي أحاديث مجلس مشترك لعدة أشخاص يتفقون في مجمل الأفكار، وإن كان هذا التشارك وضعف التحرير قد جعل الأفكار تتكرر كثيراً وبشكل ملحوظ.

إنه خطاب من خارج التاريخ يذكرنا بمذكرة النصيحة 1992 وطلبها القديم "فقيه في كل دائرة حكومية للتأكد من تطبيق الشريعة".

يقول الكِتاب معبراً عن جهل كامل بأبسط أبجديات السياسة وإدارة الدول وفن الحكم : "وإذا كنا صادقين في معاداة إيران فلنجعل السفراء كلهم دعاة، ولنجعل الاعلام كله دعوة، ولنجعل الدعوة متاحةً لكل مؤهل".

بناءً على هذا المنطق، لا حاجة لإعلاميين محترفين، ولا لسياسيين ماهرين، ولا لسفراء، ولا لوزراء خارجية، الدعاة سيقومون بكل شيء!

لا تكاد تمضي في هذا النص حتى تصطدم بالحديث عن البُعد عن الإسلام وعودتنا إلى الجاهلية، ولست أدري كيف تستقيم دعوى الجاهلية، ومساجدنا تصدح بالأذان في كل يومٍ خمس مرات وتمتلئ بالمصلين!

ثم يسترسل الكتاب في سرد الأسباب التي تدعوه لوصف البلاد العربية بالجاهلية، ولا يقول كلمة واحدة عن "جاهلية تركيا" ولو من باب المساواة؟! على العكس هناك حديث كثير عن "عدل العثمانيين" وفي مواضع كثيرة، يتحدث عن "ضرورة إعادة أمجاد العثمانيين".

أين عدل العثمانيين هذا؟ وكيف نسي المؤلف أو المؤلفون، المجازر والجرائم التي ارتكبها "العثمانيون العادلون" في كل بلاد العرب؟!

 بل جرائمهم مشهورة في كل مكان، ولن ينسى مؤرخ منصف مجزرتهم ضد الأقلية الأرمنية وإجلاس الناس على نصل الخازوق، حتى يبقى الرجل بين الموت والحياة لمدة ساعات يتمنى الموت، ولا يناله إلا بعد مشقة وعذاب؟! ثم ألا يعلم من كتب هذا الكتاب أن عودة "أمجاد العثمانيين" إن عادت، لا أعادها الل،ه فستكون على حساب بلاده؟ وعلى حساب بلاد العرب جميعاً؟! نحن أمام دعوة سياسية تهدف لإخضاعنا للأتراك وهيمنتهم على بلادنا تحت مسمى عودة الخلافة العثمانية.

ورد اسم محمد مرسي المخلوع في الكتاب 32 مرة وكلها في جدول المدح، بل وصل الأمر إلى تشبيهه بالخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز! ولم يذكر نهائياً أنه صاحب الخطاب الشهير الذي ابتدأه بالقول "صديقي الرئيس الإسرائيلي" تلك العبارة التي صدمت من لا يعرف الإخوان، فظن أنهم سيلقون بإسرائيل في البحر، مخدوعاً بشعاراتهم الكاذبة.

في الكتاب، هجوم شرس على رئيس جمهورية مصر العربية، وفي المقابل الثناء على محمد مرسي الذي خلعه المصريون في ثورة 30 يونيو(حزيران)، ونحن نحمد الله أنه خُلع، فبمجرد أن نتخيل حربنا مع حوثي انتحاري في اليمن، ونظام صبياني مؤامراتي في قطر، مع وجود رئيس إخواني في مصر، وعدو مراوغ في إيران، وحالم باستعادة هيمنة العثمانيين في تركيا، كل هذا يدعونا لأن نبتهل بالدعاء لكل من ساهم في إسقاط ذلك "العيّاط".

ورد ذكر حزب الإصلاح اليمني بالكتاب في عشرة أماكن، وهناك نصيحة خاصة له بأن يعلم أنه "ليس يمنياً فقط، بل هو لعامة الأمة وعليه يعلق كثير من المسلمين آمالهم".

بالنسبة لي لا أعرف أحداً يُعلق آمالاً من أي نوع على حزب الإصلاح اليمني، إلا من سمحوا لجماعة "المقطم" بأن ترسم لهم خرائط أحلامهم وأن تُعشش في أذهانهم، وأن تضع همها وغمها على أكتافهم، من المتعاطفين الطيبين البسطاء.

ههنا، لا يرد ذكر تركيا أبداً إلا في جدول المديح، وكأن تركيا أكثر إسلامية من السعودية.

يقول المؤلف : "والأتراك هم الأمة الوحيدة التي استطاعت دخول صنعاء، وهم يحبون العرب كثيراً".

هذا ما يقوله لنا الكتاب، وما نعرفه من تاريخنا أنها كانت محبة ملطخة بالدماء عبر التاريخ. إنه كتاب عجيب حقاً، ستجد فيه مدحاً لحسن البنا، ولعثمان الأول جد العثمانيين، لكنك لن تجد حرف مديح واحد للمملكة، بلد المؤلف أو المؤلفين.

أردوغان ورد اسمه في الكتاب 33 مرةً وكلها في جدول المديح، ويصف الكتاب الصحافة السعودية بأنها ليست صحافة وطنية فضلاً عن أن تكون إسلامية، لأنها تصف أردوغان بالديكتاتور! وفي موضع يصفه بأنه أذكى من ترامب! وأنه لا يوجد لدى الغربيين رئيس مثله! بينما لا يذكر والدنا وقائدنا الملك سلمان في كل الكتاب إلا في موضعين، أحدهما لمجرد كيل المديح لأردوغان!

هناك تمجيد ملحاح ومديح متكرر للنظام التركي الحالي وعلى رئيسه أردوغان، ودفاع مستميت عن حق تركيا في الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، الكافر الذي سينهار في أي لحظة من الآن بعد دقائق ربما! ههنا فهم فقير لتاريخ الحضارة الغربية وتبسيط لتعقيدات هذا التاريخ. ههنا مشاعر متناقضة بين كراهية هذه الحضارة، والرغبة في اللحاق بها والانتماء إليها في نفس الوقت.

ماذا بقي؟ الثناء على قناة الجزيرة؟ إنه موجود أيضاً في كتاب ألف ليلة وليلة الجديد، فقناة الجزيرة عند الكاتب هي "القناة الأولى بالعربية"،  "وتنشر حقائق جمة" "ولا يستعديها إلا من حكم على نفسه بالخسران"!!

نحن أمام دعاية مجانية لقناة الجزيرة المشهورة بالكذب والتضليل. الجزيرة التي تملأ قلوب متابعيها ببُغض كل من يُبغض الإخوان، وتُخضعهم لأفكار جماعة المقطم، وتجعلهم يعيشون في أجواء الثورة والتمرد والشك والحيرة والمرض النفسي، بحيث يشعر الإنسان أنه ضحية محاط بالمكائد والدسائس المخيفة والمصير الغامض والبُعد عن راحة البال.

ماذا عن دولة قطر نفسها؟ ذكرها المؤلف في ثلاثة مواضع من الكتاب، مكرراً عدة مرات أن قطر أكثر تصديراً للغاز من السعودية، ما يؤكد أن هناك عدة كُتاب هنا وليس كاتباً واحداً، وإلا لما تكررت هذه المعلومة.

الدفاع عن النظام القطري صراحةً موجود في الكتاب بل هناك مديح صريح لحمد بن خليفة لتنازله المزعوم عن السلطة وتشبيهه بعبد الرحمن سوار الذهب، دون أدنى ذكر لانقلابه على والده في موقف في غاية العقوق! ولم أر إشارة ولو من بعيد إلى دور قطر المريب في الثورات التي أشعلت النار وخربت الديار.

أما الجهل بمعنى المواطنة فيتضح جلياً مع دعوى الكاتب بأنه لا يصح محاربة الحوثيين، وترك الإسماعيلية، يقصد السعوديين منهم في نجران، بل الأولى البدء بمحاربة أهل نجران، ولا يصح محاربة الخوارج في الموصل وترك محاربة الرافضة في العوامية والبصرة.

هذه دعوة صريحة لحرب أهلية بين السعوديين أنفسهم بدلاً من تأمين حدودهم. ألا يكفي هذا الجنون؟! ليس بعد.

أما التناقض فما أكثره في هذا الكتاب. هنا ستجد الاستشهاد بفضل الفارابي، وابن سينا، وابن باجة، وابن رشد، وجحود الغرب لجهودهم العلمية والفلسفية، ثم انقلاب الكِتاب عليهم ونفي الإسلام عنهم في فصل آخر.

ومن لعن الحضارة الغربية، حضارة الخلاعة والشعوب التي تلهث وراء الشهوة وكأنهم حيوانات دون أي مشاعر إنسانية نبيلة، إلى مدح المنظمات الإنسانية والمظاهرات التي نددت بغزو العراق.

هل هؤلاء الذين وقفوا ضد غزو العراق أخيار أم حيوانات شهوانية؟ لا بد أن نستفهم.

ههنا سذاجة سياسية مفرطة تظهر حين يدعو الكتاب للتعويل على الأمة الإسلامية لدعم مواقفنا السياسية ويتناسى أن السعودية دعت باكستان وتركيا للمشاركة في عاصفة الحزم قبل البدء، لكنهما اعتذرتا عن التدخل، فدول ما بعد الحداثة تتحرك للمصلحة فقط، لا للانتماء المذهبي، وما تفعله إيران لا يخرج عن هذا، فهي توظف التشيع لتحقيق الهيمنة.

هذه السذاجة السياسية هي بالضبط سبب سقوط مرسي، وإلا فجمال عبد الناصر وأنور السادات، قد خرجا مثله من تحت عباءة الإخوان.

من علامات السذاجة السياسية في هذا الكتاب الصادر حديثاً أن فيه فصلاً بعنوان "النصيحة لآل سعود".

لاحظ أن هذا عنوان في كتاب لمؤلف أو مؤلفين يزعمون أنهم سلفيون، وعقيدة السلفيين تشدد على أن النصيحة يجب أن تكون سريّة لا علنية، وأن تكون لولي الأمر، وولي الأمر عندنا في المملكة هو الملك سلمان، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، ولا ولي أمر غيرهما في بلادنا. هذا الحديث عن "نصيحة لآل سعود" بهذه الصورة تدل على أن المؤلف أو المؤلفين، يعيشون خارج التاريخ.

الموقف من إيران متناقض، ولا يفسره إلا أن الكتاب كتبه أكثر من طرف. في موضعٍ نجد صوتاً سلفياً يقول إن "العداوة مع إيران الرافضية عقدية وليست سياسية". وفي موضع آخر نسمع صوتاً إخوانياً يُلين العبارة مع إيران ويعتبر الخصومة معها أقل من العداوة مع الحضارة الغربية.

مع أن الواقع يُظهر أن عداوة وضرر إيران علينا أشد من كل خطر.

وقد أوضح الأمير محمد بن سلمان أن النظام الإيراني استنفد كل فرص التعايش السلمي في العقد الماضي، وأنه استغل كل دعاوى التعايش لتحقيق مكاسب سياسية على الأرض، ولا شك أن ما قاله صحيح.

في هذا الكتاب دفاع صريح عن داعش ودعوى أن التنظيم ليس من صناعة الاستخبارات العالمية، وهو لا يسمي التنظيم باسمه المتداول بل يسميه كما يقول التنظيم عن نفسه، بل ويصرح بالمديح الصريح "مهما اختلفنا مع من يسمون الإرهابيين يقتضي العدل الذي أمرنا الله به أن نقول إنه يندفع بهم شر عظيم عن بلاد الحرمين". هذا تبرير صريح للإرهاب.

ماذا بقي لتكتمل الصورة؟ الهجوم على إخوتنا في الإمارات؟! إنه موجود أيضاً في 46 موضعاً من الكتاب، ومع أنه لم يذكر أن الدولة الخليجية التي تقيم علاقة رسمية مع إسرائيل هي قطر وليست الإمارات.

الإمارات قيادةً وشعباً رموا بأنفسهم مع السعودية في نفس الخندق، ومنذ أول يوم، حين بدأت عاصفة الحزم، ومنذ ذلك اليوم والشهيد يموت إلى جوار الشهيد في حرب شريفة لو لم نقدم عليها نحن وهم، لابتلعنا الأعداء من كل جانب.

إنهم إخواننا الذين لن نقبل فيهم مثل هذه الاتهامات الرخيصة فأفعالهم تُغني عن الأقوال، ولن ننسى لهم ما حيينا موقفهم الشجاع المشرّف.

دعونا نتوقف هنا فلو بقيت أنتقد كل ما في هذا الكتاب الذي جاوز 3 آلاف صفحة لخرجنا بكتاب مثله، فخلاصة أننا أمام منشور إخواني منحازٍ لتركيا وجماعة المقطم الإخوانية، ومدافعٍ عن قطر، وقناة الجزيرة، وضد المملكة، والإمارات، ومصر، وفات من دونوه أن الناس قد تجاوزوا هذا الخطاب، ومنهم كثير من الإسلاميين ولن يلتفت أحد إلى الماضي التعيس الذي سقطت إلى غير رجعة، كل أحلام الإخوان منذ أيام حسن البنا في ليلة سقوط حكومة مرسي.