رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو (أرشيف)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو (أرشيف)
الأحد 22 يوليو 2018 / 20:32

إسرائيل وقانون القومية..!!

يمكن التفكير في قانون القومية الجديد في إسرائيل، من مداخل مختلفة. فهو يمثل ترجمة لجملة من التطورات الاجتماعية والسياسية في المجتمع الإسرائيلي، في طليعتها صعود معسكر اليمين القومي الديني، ونجاحه في امتلاك قاعدة شعبية واسعة، والتغلغل في مفاصل السلطتين التنفيذية والتشريعية، ومنابر الإعلام.

سيفقد الكلام عن انتماء الدولة الإسرائيلية إلى الديمقراطيات الغربية قدرته الدعائية والتسويقية، وتسقط فعاليته الأخلاقية لدى الأفراد والدول على حد سواء

بدأت هذه الظاهرة عملياً، مع صعود مناحيم بيغين إلى سدة الحكم في 1977، ولكنها اكتسبت زخماً، وقوة غير مسبوقة، مع هيمنة بنيامين نتانياهو على المشهد السياسي منذ ما يزيد على عقدين.

وخلاصة هذه الترجمة أن النزعات الحصرية والعنصرية أصبحت أكثر جلاءً. فالجيل الجديد من الساسة الإسرائيليين وناخبيهم لم يعد معنياً، حتى لفظياً، بمراعاة حساسيات معينة، كالديمقراطية، وحقوق الإنسان، وسمت سلوك الجيل الأول من بناة الدولة، وقادتها.

وتجدر هنا ملاحظة، أن الفرق بين الأجيال يتجلى في الدرجة لا في النوع. فالجيل الأول، الذي عاش جانباً من حياته في بلدان مختلفة، قبل قيام الدولة، وحرص على الالتحاق بركب الديمقراطيات الغربية، والاحتماء بها، كان حريصاً على إنشاء قدر من التوازن اللفظي بين الخصوصية الحصرية للدولة الإسرائيلية، والقيم السائدة في تلك البلدان.

وتجلى هذا بشكل خاص، في علاقته باليهود الأميركيين، وهم أهم وأكبر تجمع لليهود في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، ناهيك عن دورهم الفاعل في المجتمع والسياسة الأميركيين.

فالغالبية العظمى من اليهود الأميركيين، وحتى وقت قريب، كانت تتبنى قناعات ليبرالية، ولم يكن في وسع قادة الدولة الإسرائيلية في عقودها الأولى إغضاب هؤلاء، أو تبني سياسات من شأنها توسيع الفجوة بين الطرفين. ولكن هذا كله، أصبح في حكم الماضي الآن.

أما المدخل الثاني للتفكير في قانون القومية الجديد فيتمثل في ضرورة النظر إلى حل الدولتين، الذي تبناه اليسار الصهيوني، بدرجات متفاوتة. فأهم المُسوغات التي ساقها هؤلاء تجلى في التحذير من تحول إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية، وفقدان هويتها اليهودية، ومن الخطر الديمغرافي الذي يمثله الفلسطينيون، إذا استمر احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، أو إذا ضمت تلك المناطق إلى إسرائيل.

وبهذا المعنى، فإن الدعوة إلى حصر حق تقرير المصير القومي باليهود في "إسرائيل"، يمثل رداً قانونياً وأيديولوجياً على تلك المسوغات. وينبغي التوقف إزاء مفردة "إسرائيل" التي وضعناها بين مزدوجين.

فالدولة الإسرائيلية، تعيش منذ قيامها بلا دستور يُعين حدودها السياسية، ومجال ولايتها، وسيادتها.

وبالتالي، فإن الضفة الغربية، التي تُسمى في لغة السياسة الإسرائيلية "يهودا والسامرة" لا تُعامل كمناطق محتلة، كما ينص القانون الدولي، بل كمناطق مُتنازع عليها، وهذا يعني أن ضمها في وقت ما إلى إسرائيل، مع تجريد مواطنيها الفلسطينيين من الحق في تقرير المصير، ومنعهم من حقوق مواطنة كاملة، يُبطل ذريعة التحذير من الدولة ثنائية القومية، كما يُبطل حل الدولتين.

لن نجد هذا بشكل واضح في النص المكتوب، والمنشور، لقانون القومية، الذي اضطر حتى رئيس الدولة الإسرائيلية، ورئاسة الدولة في إسرائيل رمزية، للاعتراض على مسودته الأولى، بل في الملاحق، والنصوص التوضيحية، والتأويلات الخاصة من جانب المكلفين بترجمته بطريقة عملية على الأرض.

فعبارات القانون تمتاز بالعمومية، وتقبل التأويل بأكثر من طريقة. ولكن أهم ما فيها نزع الصفة القومية عن الفلسطينيين في كل فلسطين بحدودها الانتدابية.

ومن تحصيل الحاصل القول إن القانون الجديد يمثل قاعدة قانونية وتشريعية لنظام الفصل العنصري، الأبارتهايد.

ومع هذا كله في الذهن، ثمة ما يبرر القول إن في القانون الجديد ما ينطوي على مجازفة لا ينبغي التقليل من تداعياتها السلبية. فإلى جانب ما لا يحصى من القضايا في المحاكم الإسرائيلية والدولية، فإن العمل على مجابهته قد يُسهم في توحيد قوى مختلفة في المجتمع الإسرائيلي حول هدف مشترك، كما أن علاقة إسرائيل التقليدية بجانب كبير وفاعل من اليهود الأوروبيين والأميركيين لن تبقى على حالها.

وبالقدر نفسه سيفقد الكلام عن انتماء الدولة الإسرائيلية إلى الديمقراطيات الغربية قدرته الدعائية والتسويقية، وتسقط فعاليته الأخلاقية لدى الأفراد والدول على حد سواء.

والأهم من هذا وذاك، أن مصير الفلسطينيين، في فلسطين الانتدابية، لم يكن مُوحداً منذ أوسلو كما يبدو الآن.