القيادي الفلسطيني محمد دحلان (أرشيف)
القيادي الفلسطيني محمد دحلان (أرشيف)
الثلاثاء 24 يوليو 2018 / 21:35

المؤامرة المتخيلة... دحلان ليس متهماً ينتظر حكم براءة

في حياتنا نماذج كثيرة للوهم الذي يتحول بفعل الترويج إلى ما يشبه الواقع، والكذب الذي يصير مقبولاً، ويتحول بحكم الهوى الشخصي إلى ما يشبه الحقيقة في عقول المنتفعين من الخراب، والعاجزين الباحثين عن ثغرة أو ثغرات للهروب من الفشل في مواجهة واقعهم.. أو تبرير سقوطهم.

يكتسب هذا الحكم قيمة كبيرة ليس في السياق السياسي أو المعنوي، لأن دحلان ليس متهماً ينتظر حكما بالبراءة، ولكن لأن الحكم يصدر عن محكمة فرنسية لا تخضع قراراتها لأهواء أهل الحكم في باريس

وفي أزمان الهزيمة والانكسار تنشأ بيئة خصبة للإشاعة الصانعة للانطباع الظالم، ويكثر الافتراء على من شاءت أقدارهم أن يكونوا في الصفوف الأولى في مواقع القيادة والمواجهة، ويشتد الاستهداف الموجه ضد من يحملون مسؤولية القرار ولا يجنحون إلى الهدوء وراحة البال في الظل.

عايشنا نماذج صارخة من هذا الافتراء الذي استهدف شخصيات وطنية فلسطينية كانت ولا تزال رموزاً للثورة والمقاومة، وتابعنا في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات، استهداف الشهيد صلاح خلف "أبو إياد" بحملة أكاذيب وجهتها في حينه، عواصم عربية متضررة من مواقف الرجل، ووصل الأمر إلى حد التشكيك بأصل القائد والادعاء بأن والدته يهودية! وكان وراء الحملة منشق عن حركة فتح، وخارج على موقفها الوطني، وحالم بالزعامة الموهومة من خلال التآمر والإرهاب، ومقاول اغتيالات يعمل بأمر من يدفع، وكان اسمه صبري البنا المكنى بأبي نضال الذي غادر الحياة منتحراً، أو منحوراً بسلاح من استأجروا بندقيته، وبعد أن أنهى مهمته واستنفذ دوره، ولم يعد هناك مبرر لبقائه في الضوء أو في الحياة.

عايشنا أيضاً حملات متعاقبة ضد صانع الثورة الفلسطينية وزعيمها وملهمها ياسر عرفات، وكانت تلك الحملات موجهة ومدارة في مراكز أمنية واستخبارية إسرائيلية مستفيدة من تمزيق الحالة الفلسطينية والتشكيك ليس بأداء القيادة فقط ولكن بنواياها أيضاً.

وكان ملفتاً في مناسبات كثيرة، ذلك التزامن غير البريء في انطلاق الحملات ضد ياسر عرفات من تل أبيب وبعض العواصم العربية.

واستمر الاستهداف ليطال مناضلين شكلوا الجيل الثاني في قيادة الثورة، بعد جيل المؤسسين، الذين قضى معظمهم شهداء، وغيب بعضهم بقرارات الإقصاء، ليتفرد بصدارة المشهد من خرج عن كل إرث فتح وتاريخها.

انتهى جيل المؤسسين ولم تتوقف الحملات، بل امتدت إلى قيادات وطنية شكلت بفعلها وبمواقفها الجريئة إزعاجاً للعدو ولشريكه في التنسيق الأمني، فحوربت، وأقصيت بقرارات شكلية فاقدة للمشروعية، وأبعدت من مركز صنع القرار، وانتهى الحال بكثيرين إلى العيش في الظل والنسيان...ولم يكن هذا حال محمد دحلان الذي ظل في الضوء رغم كل محاولات حصاره وإقصائه، فقد ظل حاضراً في فتح رغم قرار عزله وفصله من الحركة بما يخالف نظامها الداخلي، وظل حاضراً وبقوة في المجتمع الفلسطيني رغم إخراجه من الجغرافيا المستباحة للاحتلال ولسدنة التنسيق الأمني، وتجاوز بهذا الحضور الفاعل والملموس توصيفات المواقع والمناصب عضواً في اللجنة المركزية للحركة، أو عضواً في المجلس التشريعي الفلسطيني.

لذا، كان طبيعياً ومنطقياً أن يتعرض الرجل إلى هذا السيل من الافتراءات والادعاءات الكاذبة التي تشكك ليس فقط في دوره الوطني، ولكن في ولائه للثورة ولقائدها الذي كان وما زال أباً روحياً لكل فلسطيني على الأرض، إلا من اختار الاصطفاف مع العدو.

كان أخطر وأحقر الافتراءات الادعاء بدور لدحلان في اغتيال أبي عمار، وقد جاء هذا الافتراء في كتاب فرنسي حمل عنوان "قضية عرفات"، وهو الكتاب الذي ادعى فيه مؤلفه ايمانويل فو أن دحلان حرض على استهداف زعيم الشعب الفلسطيني ياسر عرفات.

لجأ دحلان إلى القضاء الفرنسي، ورفع قضية ضد المؤلف والناشر، وصدر أمس حكم قضائي بإدانتهما ما يعني دحض افتراءاتهما الواردة في الكتاب.

يكتسب هذا الحكم قيمةً كبرى ليس في السياق السياسي أو المعنوي، لأن دحلان ليس متهماً ينتظر حكماً بالبراءة، ولكن لأن الحكم يصدر عن محكمة فرنسية لا تخضع قراراتها لأهواء أهل الحكم في باريس، ولا هدف لها غير إعلاء الحقيقة.

ولعل من الضروري هنا أن نذكر من يصدقون ما يكتبه الخواجات باعتباره كلاماً موضوعياً ودقيقاً أن يحترموا محاكم الخواجات لأن القضاة في فرنسا ليسوا إكسسوارات في حاشية الرئيس.

ويظل الأهم من كل الحيثيات أن من يفترون على دحلان في هذه القضية، يمارسون دوراً صار مكشوفاً لتبرئة إسرائيل من جريمة اغتيال أبي عمار.