الكنيست الإسرائيلي (أرشيف)
الكنيست الإسرائيلي (أرشيف)
الخميس 26 يوليو 2018 / 20:52

أسباب كثيرة للإعادة

مأساة الوعي السياسي لغرفة القرار في منظمة التحرير- السلطة تكمن في السطحية والارتجال، يصعب الحصول على نظرية عمل أو بنية لخطة محددة تحكم التوجه الرئيس وتتعامل مع المتغيرات الميدانية في نفس الوقت، الأمر متعلق بسلسلة من ردود الأفعال على احداث تبدو "مباغتة" دائماً وتحدث بشكل قدري.

المواجهة مع "قانون يهودية الدولة" الفاشي سيكون بلاغياً كما هو الآن، وسيبقى كذلك باهتاً ومحزناً، طالما بقي هذا الوعي القاصر متحكماً في غرف القرار الفلسطيني

أحداث تواصل احتفاظها بميزة "المباغتة" حتى بعد عشر سنوات على حدوثها، مثل "الانقسام" الذي "تمخض" عن "انقلاب" حماس.

إدارة ملف "الانقسام"، الذي أصبح "المصالحة"، وكأنه حدث صبيحة توجه المفاوضين إلى القاهرة، مثلاً، وأنه، الانقسام، عرض جانبي.

كنت استخدمت في مقالة سابقة تعبير"حادث سير" تسببت به السرعة أو رداءة الطريق. حادث سير ذاتي دون ذاكرة.

رغم أن مشهد انقلاب الإخوان المسلمين كان واضحاً وكان يتجمع تحت أنظار الجميع في غزة، وكانت النذر في متناول محللي المقاهي وفي عيون الناس وهواجسهم، وكان يمكن الحصول عليها، النذر، بسهولة في تصريحات قادة حماس وحملة شيطنة منظمة التحرير بعد شيطنة ياسر عرفات نفسه، هذه المهمة تكفلت بها قناة الجزيرة القطرية منذ عقد التسعينيات في القرن الماضي تمهيداً نارياً للانقلاب الذي سيحدث بعد قليل، بحيث يظهر الانقلابيون كمخلّصين ومحاربين تحيطهم هالات النزاهة والزهد ويطير الفراش من ذقونهم، سأعتذر لوالت ويتمان طبعاً، ثم مرحلة الاغتيالات الطويلة التي سبقت الحركة الأخيرة، اغتيالات فاشية وعلنية ومرعبة حولت الحياة في غزة إلى كابوس حي، من يتذكر اللواء موسى عرفات الذي اغتيل في منزله بعد مواجهة طويلة في الغرف والحديقة مع مجموعات مسلحة راجلة ومحمولة في مشهد قادم من أفلام المافيا، أو أطفال عائلة بعلوشة الذين قتلوا دون رأفة على مقاعد سيارة العائلة في حرم مدرستهم... على سبيل المثال.

ورغم ذلك واصلت أجهزة السلطة تجاهل مهمتها في حماية الناس والكيد لبعضها البعض، والاتكاء على دموية الانقلابيين المنفلتة لتصفية حساباتها الداخلية الصغيرة.

خطة "شارون" في الانسحاب من غزة "من جانب واحد"، وإخلاء المستوطنات كانت معلنةً، وكان يمكن ببساطة ودون الحاجة لذكاء خاص ملاحظتها وهي تبحث عن توقيت ملائم.

كان المطلوب أن يتحول خروج الاحتلال من غزة إلى "انتصار" تسجله حماس في قائمة "انتصاراتها"، ما سيعزز قبضتها على الأرض ويمنحها "شرعية" تساعدها في حكم القطاع وفصله تحت شعارات "المقاومة" الشعبوية عن الضفة الغربية.

كانت تلك وصفة اسرائيلية نموذجية لحرب أهلية يديرها مجموعة من قصيري النظر المدفوعين بالكراهية ورغبات الانتقام وغواية الحكم.

حصل "الإخوان المسلمون" على إمارتهم في فناء مصر الخلفي، وحصل بعض المتنفذين في السلطة على "الخلاص" ممن اعتقدوا أنهم يشكلون خطراً على نفوذهم الحالي وطموحهم في المستقبل، وحصلت إسرائيل على "الانقسام الفلسطيني" الذي سيتحول إلى رافعة تبرر كل شيء، الاستيطان، والضم،  والتهويد.

يعرفون في إسرائيل جيداً ان المواجهة الحقيقية في الضفة الغربية، حيث القدس والمستوطنات والجدار، ويعرفون أن فصل غزة عن الضفة سيسهل المهمة.

هنا نستطيع العودة لتفسير إصرار ياسر عرفات على ربط غزة بالضفة في اتفاقية أوسلو، رغم كل ما سنقوله عنها وهو كثير، وللحقيقة هنا يكمن الفرق بين قراءة مؤسسة على وعي وطني، وبين قراءة قاصرة ومعنية بمصالح صغيرة وأحلام ضيقة.

يبدو الأمر وكأنه إعادة لنصوص جرى استخدامها وتجاوزها ولا معنى لاستعادتها، ولكن نظرة واحدة على المشهد ستكشف أننا لا زلنا "هناك"، بالضبط حيث يتجدد الانقلاب كل يوم، وحيث يتجول الكابوس في شوارع غزة ويتغذى من يأس الناس وإحساسهم العميق بالتخلي والخذلان.

وحيث يصبح "الانقسام" تكويناً مستقلاً ينتج ثقافته ويضع شروطه ويمتلك ممثلين وناطقين باسمه.

المواجهة مع "قانون يهودية الدولة" الفاشي سيكون بلاغياً كما هو الآن، وسيبقى كذلك باهتاً ومحزناً، طالما بقي هذا الوعي القاصر متحكماً في غرف القرار الفلسطيني، الوعي الذي يعاني من سوء فهم شامل بين مع المشروع الوطني الفلسطيني.

ولأن الأمر كذلك فلا بأس من الإعادة.