المغنية الأمريكية ديمي لوفاتو.(أرشيف)
المغنية الأمريكية ديمي لوفاتو.(أرشيف)
الجمعة 27 يوليو 2018 / 19:11

تعاطف صادف أهله

كم أتمنى ألا تقودنا لوفاتو ومن هم من طبقتها إلى أن نتوهم بأن صراعات الناس مع الإدمان، وأمراضهم العقلية، ومعاناتهم مع الشياطين التي تعشعش في رؤوسهم، باتت ملزمة بأن تطل علينا دائماً من خلف تعابير مثالية "فوتوشوبية"، وإطلالة راقية

"مسكينة!"، قالت إحدى الصديقات فيما ضربت بيدها على موضع القلب من صدرها. كانت تقرأ عبر هاتفها خبر نقل المغنية الشابة ديمي لوفاتو إلى المستشفى إثر تعرضها لجرعة زائدة.

حاولت أن أسيطر على تعابير وجهي المندهشة، ولكنها التقطتها على الفور، وقالت معلقة: "بالطبع، لا زلت أعتقد أن أغانيها رديئة. ولكنه من المحزن جداً أن نرى شخصاً شاباً يضطر إلى انتزاع حياته من بين أنياب الإدمان".

أومأت برأسي أن نعم، فيما أحسنت في هذه المرة السيطرة على لساني لئلا يذكرها بالماضي.

كنا في إحدى المدن العربية، عالقتين في اختناقها المروري الأزلي، حينما اقترب شاب من سيارة الأجرة التي نستقلها.

بدا لهزالته وكأنما هيكلاً عظمياً قد حُشر من الإسفلت، وتمسّك بزجاج النافذة المفتوحة إلى منتصفها. لا بد وأنه الهيروين، قلت في قرارة نفسي، وأنا التي لم يغب عن بالي منظر المدمنين في الأفلام الوثائقية، إذ ينتهي بهم المطاف يغرزون الإبر في أعناقهم لاستهلاكهم لكل الأوردة المتاحة.

الفراغات واسعة مخيفة بين أسنانه، وبشرته بندوبها تجعله يبدو كالمومياء المُحنطة مقارنة بلوفاتو، على الرغم من أنه على الأرجح عشريني يشاطرها الجيل. أهو الميث الكريستالي الذي عرّفتنا عليه أوبرا وينفري، يا ترى؟ وما هذه الرائحة الكريهة؟ أهو يصب الكحول أيضاً على جحيم إدمانه؟

بضغطة على زر المناعة الأوتوماتيكية التي شكّلها ضد المتسولين، سارع سائق سيارة الأجرة إلى رفع النافذة. فهنا سحب الشاب أصابعه، وتشبث بيأس بالمرآة الجانبية للسيارة. راح السائق يتحرك مستجيباً للفرج الإلهي المتمثل في تحوّل الإشارة المرورية إلى اللون الأخضر، ليتراكض الشاب اليائس بمحاذاتنا، حتى بدا متعلقاً بالسيارة. "توقف! ستدهسه، ستدهسه!"، صرخت لا شعورياً بالسائق.

ورأيت بطرف عيني صديقتي وقد راحت تهز رأسها بامتعاض من سلوكي، قبل أن تضيف بإحراج واضح: "وما دخلنا به؟".

أعترف بأني لم أعاند سائق الأجرة حينما رفع النافذة لأدس القليل من الفكة أو الطعام في يد الشاب. لم أسأله عن اسمه، وعمره، وقصته، أو أدعوه إلى الركوب معنا. لم آتِ كالملاك المُرسل لأتوسل إليه بطلب العلاج. بل أشحت عنه بوجهي كما يفعل الآلاف يومياً في تلك المدينة الضخمة، وتظاهرت بالاستماع إلى المذياع.

ولكني كم أتمنى ألا تقودنا لوفاتو ومن هم من طبقتها إلى أن نتوهم بأن صراعات الناس مع الإدمان، وأمراضهم العقلية، ومعاناتهم مع الشياطين التي تعشعش في رؤوسهم، باتت ملزمة بأن تطل علينا دائماً من خلف تعابير مثالية "فوتوشوبية"، وإطلالة راقية. ليس المريض مضطراً كذلك إلى مراعاة معاييرنا في التمتع بالحد الأدنى من النجاح والموهبة، ليصبح "ضحية يا حرام" جديرة بتعاطفنا، عوضاً عن "خايب وفاشل" يستحق الاحتقار.

لندع "التايملاين" قليلاً، حيث تتخفى جميع التفاصيل المزعجة للصراع خلف البيانات الرسمية المنقّحة للمشاهير، وننظر إلى قوارع طرقات واقعنا التي تنطق صدقاَ.