الشاعر والقاص المصري أسامة جاد (أرشيف)
الشاعر والقاص المصري أسامة جاد (أرشيف)
الأحد 29 يوليو 2018 / 22:34

أسامة جاد لـ24: الكتابة درع في مواجهة الموت

24 ـ القاهرة ـ أحمد علي عكة

يتنقل الشاعر والقاص المصري أسامة جاد، بين الألوان الأدبية المختلفة كما تتنقل الفراشة بين الأزهار، فالكتابة بالنسبة له ممارسة حياة، هي لعبة يستمتع بها ويسعى للتجريب من خلالها، دون أن يتخلى عن دهشة الطفل بداخله.

على الرغم من ممارسة جاد للكتابة الأدبية، منذ تسعينيات القرن الماضي، لكنه لم يصدر كتابه الأول ديوان "الجميلة سوف تأتي"، إلا في العام 2012، ثم أعقبته مجموعة قصصية بعنوان "صباح مناسب للقتل"، ومن بعدها جاءت ترجمته لرواية "أسنان بيضاء" للبريطانية زادي سميث.

24 كان له هذا الحوار مع أسامة جاد، للتعرف أكثر على مشروعه الأدبي، وملامح تجاربه الأدبية الجديدة، ورؤيته للأدب بكافة أشكاله المختلفة.

انتهيت مؤخراً من كتابة مجموعتك الشعرية الجديدة "جمعية لمصروفات الحج".. ما الجديد الذي تقدمه بها؟
مثلما حدث مع "الجميلة سوف تأتي"، فإن "جمعية لمصروفات الحج" بمثابة نتاج رحلة مع أسئلة الشعر وأسئلة الحياة، يضم نصوصاً هي إجابات (أو اقتراحات بإجابات) على تلك الأسئلة، نحن نوغل في الحياة مدججين بالشعر، ونحن نواجه لحظاتها المتنوعة بالشعر، بوصفه من تجليات الروح التي يجسدها الفن.

الديوان سيضم مجموعة كبيرة من النصوص التي تتراوح بين الطول والقصر (معظمها نصوص قصيرة) موزعة على أكثر من قسم، يشكل "جمعية لمصروفات الحج" أحد الأقسام المركزية فيها. وقد كتبت معظم نصوص الديوان خلال السنوات التي تلت صدور الطبعة الأولى من "الجميلة سوف تأتي" في مطلع عام 2012، ما يجعلها واحداً من القطع الصغيرة في الرحلة/الكنز.



تعكف على كتابة أولى رواياتك... حدثنا عن أجوائها؟
عكفت بالفعل على كتابة روايتين، إحداهما تدور أجواؤها في فضاء متخيل تتمرأى من خلاله ملامح وتفاصيل عايشتها وشهدتها، ربما، والثانية تنتمي إلى الميتا سرد، غير أن انشغالي في مهام ترجمية وتحريرية خلال العامين الأخيرين حال دون تفرغي لإنهائهما، وأظن الآن أن الشخصيات في الروايتين قد خرجت في نزهة لمعرفة العالم، وأنتظر عودتها في القريب.

كيف ترى تجربة ترجمتك لرواية "أسنان بيضاء" للبريطانية زادي سميث؟
كانت ترجمة "أسنان بيضاء" من أجمل التكليفات التي أوكلت إلي في الأعوام الأخيرة، التجربة كانت ثرية للغاية، وحافلة بالمعرفة والاستمتاع والدهشة، الأمر الذي أستشعر من ردود الفعل التي وصلتني بخصوصها أنني نجحت إلى حد كبير في نقلها إلى القارئ، وتلك إحدى أهم مهام الترجمة، توصيل متعة النص بأكبر قدر ممكن من الفاعلية.

ما زلت ممتناً للغاية للدكتورة سهير المصادفة على ثقتها في تكليفي بترجمة هذا العمل الهائل، الذي سبق اختياره كأحد أهم مائة رواية في تاريخ الأدب الإنجليزي، كما أنني سعيد للتعرف على عالم زادي سميث السرد البديع.

الرواية في ذاتها حبكة شديدة الفرادة والبراعة في آن، تكاد تكون سرداً مكافئاً للحياة في الأرض خلال قرن كامل من الزمان، من الهند وبنغلاديش في أقصى الشرق إلى جامايكا في أقصى الغرب، تلك الحياة المشتبكة مع الآخر من جهة، ومع التاريخ والماضي من جهة أخرى، والتي تتجلى بكل ملامحها وتفاصيلها في حي صغير في شرق لندن حيث اجتمعت كل الشخصيات.

أما الترجمة، فعلى ما وصلني من رسائل إيجابية بخصوصها، تظل قاصرة عن بلوغ جمال النص في لغته الأصلية.

 ما أؤكد عليه فقط هو صدق الجهد في محاولتي لتقديم جمال مواز من خلال النص العربي، جمال تحرى الدقة في تقديم روح النص ومقابلاته، دون أن أنكر التقصير في مواضع، والقصور عن بلوغ الغاية في مواضع أخرى.



بدأت مسيرتك مع الكتابة في تسعينيات القرن الماضي، لكنك أصدرت أول كتبك ديوان "الجميلة سوف تأتي" في العام 2013... ما أسباب ذلك؟
الكتابة في تصوري ممارسة حياة، هي مثل اللعب، مثلاً، لن أقول مثل التنفس، ولكنها ممارسة استمتاعية بالحياة، أنت تكتب لأنك تريد العالم أجمل، تريده على قياس أمنياتك وعلى اتساع الخيال، هي درعنا في مواجهة الموت. وهي السهم والقوس أمام القبح والظلم والعتمة، هي في تصوري، غاية في ذاتها، ولا غاية لها سوى أن نظل قادرين على حمل صخرتنا إلى أعلى الجبل في كل يوم.

بهذا المفهوم كنت كلما أعددت ديواناً لنشره أبقيه معي لفترات، طالت أحياناً، ثم أعود إليه. وكثيراً ما حدث أن جاوزت المفهوم والرؤية، وشعرت بغرابة أمام النصوص، عندها لم أكن أتردد في التخلص من تلك النصوص، تماماً، وأنا أتذكر نصيحة لأمل دنقل، مفادها ألا تحتفظ بالنص عالقاً عندك، إما أن تنشره في موعده، أو تحرقه، وإلا ظللت حبيس هذا النص، وحبيس الرؤية الجمالية التي أنتجته.

أحرقت عدة دواوين تفعيلة، في ظروف متنوعة، وإن ظلت بعض نصوصها تلح على ذاكرتي، ويراودني نشرها كتجارب شعرية، كما اقترح الشاعر الصديق الجميل الراحل محمد أبو المجد.

ربما كان هذا هو السبب المركزي في تأخر النشر، بالإضافة إلى سبب ثان، إذ عملت لسنوات طويلة كرئيس للقسم الثقافي في جريدة يومية في سلطنة عمان وهي "الشبيبة"، ومارست أكثر من فن من فنون الكتابة، تأليفاً مسرحياً، في مسرحية "الرزحة"، وهي نص تجريبي لفرقة مسرح شباب عمان، ودرامياً في مسلسل "رحلة المندوس" لتلفزيون سلطنة عمان، وكتابة يومية في النقد الدرامي والموسيقي والأدبي، بالإضافة إلى إعداد لبرنامج أسبوعي، "نادي السينما" لتلفزيون سلطنة عمان، والمشاركة في تنظيم أول مهرجان سينمائي في مسقط، "مهرجان الفيلم العربي الفرنسي المشترك" بالتعاون مع سفارة فرنسا في مسقط، ومن ثم تغطية مهرجان "كان" السينمائي في دورته الـ51، وإصدار أكثر من ملحق خاص عن مدن عمانية "صور وصلالة".

والمعنى، أن فعل الكتابة كممارسة حياة، بالمفهوم الذي ذكرته، ظل دائماً، غير أنني لم أتفرغ لنوع واحد من أجناس الكتابة طوال 12 عاماً كاملة.

وفي الحقيقة كنت أعددت ديواناً تفعيليّاً بعد عودتي من مسقط، ولكن هو الآخر لم يصمد في لحظة من لحظات المراجعة الجمالية والمفاهيمية.



كيف ترى المزج في مجموعتك الشعرية "الجميلة سوف تأتي" بين موسيقى الشعر ونثره؟

موسيقى الشعر هي إحدى الأسئلة المفاهيمية التي شغلتني في الآونة الأخيرة، بشكل خاص. أنا لا أراها الإيقاع "التفعيلي" وحده، عكفت على دراسة البحر الإيامبي والبحور الأخرى في اللغات الأوروبية منذ فترة، ووجدت أن "التفعيلة" بالمفهوم الخليلي هي اقتراح إيقاعي يقوم على فكرة "النبر"، نفسها، في البحور الغربية (في بنيتي السبب الخفيف والسبب الثقيل)، وأن بحور "البسيط" و"الرجز" و"السريع" و"الكامل" و"الهزج" و"المنسرح" هي تنويعات إيقاعية أكثر ثراء، وأكثر تجريداً (في التحريك والتسكين في التفعيلة كبنية في اللغة العربية)، غير أن موسيقى الشعر أكثر اتساعًا من حدود البنية الإيقاعية فقط، فاللفظ في أي لغة يحمل في ذاته بنيتين مركزيتين إيقاعية (في تراتب المقاطع الصوتية وتتابعها) ترتبط بالزمن، وتصويرية (في دلالة اللفظ وتعيينه لمقصود بذاته) وهي تنتمي للصورة، أو للمكان.

بل وهناك بنيات أخرى تتعلق بالمعنى والدلالة، وبالأداء اللغوي، وبنوع المجاز واتجاهيته، يمكن اعتبارها عناصر ذات حضور حقيقي في صياغة الإيقاع.

وبدون الإيغال في تفاصيل نظرية جافة، أجد اقتراح السطر النثري (الحر) بديلاً إيقاعيًا صالحاً، في مواجهة السطر (التفعيلي) في حال القصيدة الحرة، وأجد أن المقطع النثري بنية إيقاعية في ذاته، في حال قصيدة النثر، لكنها بنية تتوسل بلاغة النثر في تحقيق الأثر الشعري.

الصور الشعرية لديك دائماً ما تكون مدهشة.. هل تأتي الدهشة من كونك تكتب بروح طفل؟
الدهشة هي أول الشعر، والطفولة هي أول الدهشة. نحن نحتاج دائما إلى وعي الطفولة في تأمل الأشياء والظواهر والأحداث حتى نعود إلى براءة اللحظة الأولى، كي نصنع أسطورتنا الخاصة تجاه الوجود والعالم، الدهشة اعتراف دائم بالعجز والجهل وقلة الحيلة، نحن لسنا سوى أثر لمنقار طائر في بحر الوجود، ولا نملك إلا دهشتنا أمام عماء السديم الهائل.

في مجموعتك القصصية "صباح مناسب للقتل" يظهر جلياً اعتمادك على اللغة الشعرية.. هل كونك شاعراً أفادك كقاص؟
هذا صحيح جداً، وهو منطقي أيضاً، بعض النصوص السردية تبدأ كمكابدات شعرية، لكنها تمارس تحولاتها في كيمياء اللغة، وتأخذ مسارات أخرى مغايرة، لو لم يكن هذا الملمح جليا كما أشرت في سؤالك لصح أن أتهم نفسي بالإيغال في الصنعة والتكلف، غير أن ملاحظتك تأكيد على رهاني الدائم على حرية النص في تشكله وفي انزياحاته.

والحقيقة فقد كانت هذه ملاحظة مركزية لكثير من النقاد الذين ناقشوا المجموعة، حتى أن د. هيثم الحاج علي عنون دراسته عن المجموعة بـ"كيف يحكي الشاعر"، بينما أصر الناقد د. محمد حسن خليفة على أن كثيراً من نصوص المجموعة تصلح لتقديمها كقصائد نثر.



حضور الموت بقوة في معظم أعمالك القصصية بدافع فلسفي أم بسبب هاجس إنساني؟
الموت هو المقابل الأول والأوضح أمام الحياة، ما دمنا نحيا فالموت حاضر في آخر الطريق، بل قد يكون الموت هو المتفق الوحيد عليه بين جميع البشر، الذين فرقتهم العواطف والأيديولوجيات واللغات والحدود الجغرافية والأجناس، يظل الموت هو الجامع المشترك لجميع الكائنات، وهو حاضر في الحياة بقوة الوجود ويقينية الاحتمال في النهاية.

باعتبارك أحد القائمين على مؤتمر قصيدة النثر بأتيليه القاهرة.. ما أهميته في دعم تطور الشعر بعيدأ عن القوالب النمطية؟
كنت واحداً ضمن 25 شاعراً شاركوا في المؤتمر في دورته الأولى، ثم رشحني القائمون على المؤتمر لمهام تنظيمية وتنظيرية في دورته الثالثة التي شهدت مشاركة مغربية تمثلت في الشاعرين إدريس علوش وعبد اللطيف الوراري، غير أنني لست من "القائمين" عليه. هذا شرف لا أدعيه.

أما عن أهمية المؤتمر فهو أحد الأحداث الهامة في استعادة أسئلة الشعر، وفي مراجعة المشهد الثقافي دائماً، وهو زهرة ضمن ألف زهرة ينبغي أن تتفتح، ولعل سؤالك فرصة لتحية القائمين على المؤتمر، ولشكرهم على جهدهم الكبير في الإعداد لهذا الحدث الكبير وفي تنظيمه بدأب مستمر وبجهود ذاتية في أغلبها.

تكتب الشعر والقصة والرواية.. ما دوافعك لهذا التنوع في الكتابة الإبداعية؟
لا أدري من صاحب مقولة إن الناقد أديب فاشل، ولكنها مقولة ظلت تشغلني كثيراً، وأنا أنفي النقد عن نفسي، ربما خشية الفشل في الممارسة الإبداعية، إلى أن كانت تجربتي في مراجعة وتنقيح مسرحيات صلاح عبد الصبور الشعرية، لأرى كيف كان هذا الشاعر العظيم ناقداً عظيماً ومؤسساً في المشهد الشعري المعاصر في مصر. الأمر ذاته عند ت. س. إليوت، وعند أدونيس أيضاً.

كانت مقولة التخصص أيضاً هاجساً ملحًاً: ما دمت شاعراً لا ينبغي أن تكتب سوى الشعر، والقاص كذلك، ثم جاءت لحظة التنوير تلك، اللحظة التي أدركت عندها أن فعل الكتابة الأدبية هو فعل ممارسة حياة، هو فعل استمتاع شخصي بالدرجة الأولى، أما الخطط الغائية، وأما الممارسات المقررة سلفاً فإنها نادراً ما تقدم فنّاً عظيماً.

من لحظتها وأنا أمارس الشعر والقصة وأمارس النقد كما أمارس التنفس والحياة، تلك الحياة التي ستظل حياتي أنا، ويظل تقييمها أو الحكم عليها شأناً يخص القارئ، والقارئ وحده.

تلك الرؤية ساهم كثيراً في بلورتها، وفي إنضاجها ربما، دخولي إلى حقل الترجمة الأدبية، عندما راجعت ترجمة لديوان "زهور الأزاليا" لشاعر كوريا الكبير كيم سو وول، ثم عندما ترجمت رائعة الكاتبة البريطانية زادي سميث "أسنان بيضاء" التي صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب مؤخرا، ومن بعدها توليت إدارة تحرير سلسلة "الجوائز" في الهيئة لأطلع على روائع حقيقية في الأدب الروسي والصيني والأردي والإيطالي وغيرها. كانت الترجمة باباً جديداً فتح أمامي أفقاً حقيقياً للاطلاع على كتابات ونظريات أدبية ودراسات غاية في الأهمية، كانت عيوب كثير من الترجمات السابقة عائقاً أمام استيعابها كاملة، وأمام تلمس مكامن الجمال والمتعة فيها، الأمر الذي يعود بالضرورة على كل مجالات الإبداع وممارساته.

هل لديك تجارب أدبية أخرى تعكف عليها حالياً؟
مثَّل تكليفي بإعداد طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب الجديدة (طبعة معرض القاهرة الدوالي الـ48 للكتاب) من مسرحيات صلاح عبد الصبور الشعرية فرصة استثنائية للعمل على نصوص المسرحيات الخمس، فمن جهة، سمحت تلك العودة الجديدة إلى مسرحيات صلاح عبد الصبور بنوع من التأمل التفصيلي في اللغة وفي الأداء الفني، وفي الرؤية الشعرية والمسرحية، وفي تجليات تلك الرؤية وتمثلاتها المتنوعة في المسرحيات، ومن جهة ثانية، كانت تلك العودة مصحوبة بنوع من الخبرة المعرفية في عالمي النص الشعري واللعبة المسرحية، ما ساهم، خلال مرحلة ضبط نصوص المسرحيات في ضوء طبعاتها المختلفة، في إضاءة تصورات متنوعة تخص قصيدة الشعر الحر (التفعيلة)، وتخص المسرح (تاريخه ومدارسه)، وتخص علاقة التأثير المتبادلة بين المسرح والشعر.

وعليه فقد بدأت العمل في دراسة حول "ثورة الشعر وملامح الرؤية المسرحية" تسعى إلى عرض تلك التصورات وفحصها وتحليلها، للتعرف على المنعطف الذي أحدثَته قصيدة التفعيلة في حركية القصيدة العربية وتحولاتها، وتتلمس ما قد تكون تجارب المسرح الشعري/الشعر المسرحي السابقة قد ساهمت به في هذا المنعطف في ذاته، وما ساهم المسرح الشعري الحديث به في تطوير القصيدة العربية المعاصرة، في اللغة، وفي الإيقاع، وفي الأداء الشعري، وهي الدراسة التي آمل أن أنتهي منها قريباً.