جانب من مشاركة الإمارات في معرض باريس للكتاب (أرشيف)
جانب من مشاركة الإمارات في معرض باريس للكتاب (أرشيف)
الثلاثاء 31 يوليو 2018 / 11:28

تنامي حركة الترجمة للإبداعات الإماراتية إلى اللغة الفرنسية

باريس - 24 - عبدالناصر نهار

نشطت على مدى الأعوام الماضية حركة الترجمة للأدب الإماراتي من اللغة العربية إلى عدد من أكثر لغات العالم انتشاراً، ومنها الفرنسية التي يتحدث بها اليوم في القارات الخمس حوالي 200 مليون شخص في 57 بلداً عضواً في منظمة الفرانكفونية، وهي لغة معتمدة في جميع منظمات الأمم المتحدة واللغة الرسمية لـ29 دولة. ولذلك فإنّ تنامي حركة الترجمة للإبداعات الإماراتية إلى لغة موليير هو اعتراف وتقدير كبير للأدب والثقافة في دولة الإمارات.

في الحقيقة، ومنذ الزيارة الهامة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لدولة الإمارات في نوفمبر (تشرين ثاني) من العام الماضي 2017، بمناسبة افتتاح متحف اللوفر-أبوظبي، تمّ إطلاق العديد من المشاريع الثقافية المشتركة التي حققت أصداء واسعة، منها إطلاق عام الحوار الثقافي الإماراتي-الفرنسي 2018، وإقامة الملتقى الإماراتي الفرنسي في منظمة اليونسكو بباريس تحت شعار "زايد شاعر السلام والإنسانية"، والاحتفاء بالشارقة كضيف مميز في الدورة الأخيرة من معرض باريس الدولي للكتاب في مارس الماضي.

علاقات استراتيجية
حينها أكد ماكرون أن الثقافة هي حجر الزاوية في العلاقات الاستراتيجية التي تجمع بين الجمهورية الفرنسية ودولة الإمارات، معبراً عن سعادته لاستثمار البلدين بشكل موسع في المجال الثقافي من خلال دعم مشاريع الترجمة بين اللغتين العربية والفرنسية بشكل خاص.

وأضاف خلال زيارته لمعرض باريس للكتاب: "أنا سعيد جداً بوجودي في جناح دولة الإمارات العربية المتحدة وهي المعروفة باستثمارها في كتب اللغة الفرنسية والترجمة بين اللغتين العربية والفرنسية، وهذه المسألة أعتبرها مهمة جداً وتجعلني أشعر بالفخر". وبهذه المناسبة قام الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، بإهداء الرئيس الفرنسي عدداً من إصداراته التاريخية وأعماله الأدبية المترجمة إلى اللغة الفرنسية.

رسالة نبيلة
وفي إبريل (نيسان) الماضي أصدرت أكاديمية الشعر في لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بالشراكة والتعاون مع شركة أبوظبي للإعلام، كتاب "تأملات في أقوال وأشعار الشيخ زايد" باللغتين العربية والفرنسية، حيث قام الوفد الدائم لدولة الإمارات لدى منظمة اليونسكو في باريس، بتزويد حوالي 160 من أعضاء الوفود العربية والدولية الدائمة لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة بنسخ عن الإصدار، بما في ذلك 84 دولة أعضاء منظمة الفرانكفونية. وهو الإصدار الذي عرّف القارئ الفرنسي بديوان الشعر النبطي عبر باقة من أجمل القصائد التي امتازت بتعدد المعاني التي تجعل من الشعر رسالة نبيلة توحد الشعوب، وتُحارب الأفكار المُتشددة.

وكان العام الماضي 2017 شهد توقيع مجموعة "كلمات" الإماراتية في الشارقة، المتخصصة في نشر وتوزيع كتب الأطفال والشباب، مذكرة تفاهم مع دار غاليمار الفرنسية، تقوم بموجبها المؤسستان بترجمة 10 كتب من إصدارات كل منهما للغتين الفرنسية والعربية في كل عام، وذلك في مجال كتب الأطفال، والروايات، وقصص الخيال لليافعين، بما يُتيح للقارئ في فرنسا قراءة مختارات من الأعمال الإماراتية بلغة موليير.

ولعل أهم ما ميز معرض باريس للكتاب هذا العام، هو قيام هيئة الشارقة للكتاب واتحاد كتاب وأدباء الإمارات بترجمة أكثر من 40 إصداراً إماراتياً إلى اللغة الفرنسية، الأمر الذي أتاح لجمهور المعرض العريض فرصة نادرة لاقتناء باقة من أهم الأعمال الإماراتية في الشعر والقصة والرواية والمسرح والنقد والتاريخ والتراث.

لغة حية
الكاتب المسرحي الإماراتي صالح كرامة، أعرب عن سعادته البالغة بترجمة مسرحيته "حاول مرة أخرى" إلى اللغة الفرنسية، والتي سبق أن ترجمت إلى الإنجليزية. كما أكد الكاتب محسن سليمان، بمناسبة نقل مجموعة من قصصه إلى الفرنسية، أن نقل عناوين إماراتية إلى لغة حية عالمية مثل الفرنسية يعني أن المثقف والكاتب الفرنسي يتعرفان إلى الثقافة العربية والمثقف الإماراتي بشكل خاص. أما الشاعر علي الشعالي الذي ترجمت مجموعته الشعرية "للأرض روح واحدة" إلى الفرنسية، فقال إن كُتاباً كباراً حصلوا على نوبل وانتظروا طويلاً كي يُمنحوا فرصة الترجمة، بينما مشروع الشارقة الثقافي الجاد قدّمنا إلى المُتلقي الغربي عموماً، بما في ذلك الفرنسي من أصول عربية، والمهاجر الذي يحن لبلاده وذاكرته وثقافته العربية الإسلامية الأولى.

منافسة
كما وصدر مؤخراً الترجمة الفرنسية لرواية "غرفة واحدة لا تكفي" للروائي والكاتب الإماراتي سلطان العميمي، وهي أول رواية إماراتية تدخل في القائمة الطويلة لمسابقة البوكر في نسختها العربية بدورتها العاشرة 2017. وقد أعرب العميمي عن فخره وسعادته الكبيرة بالاحتفاء بالأدب الإماراتي من خلال ترجمته إلى عدد من لغات العالم، وخصوصاً إطلاق الترجمة الفرنسية لروايته.

حركة الترجمة النشطة هذه، أعادت إلى الأذهان الصدور الهام لكتاب "أنطولوجيا الشعر الإماراتي المُعاصر" بالفرنسية منذ نحو عقد من الزمن عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ووزارة الثقافة بالتعاون مع المعهد العربي الفرنسي بباريس، والذي قام بترجمته واختيار قصائده رجاء ملاح وشاكر نوري، وصدر عن دار "لارمتان" للنشر، مما عمل على تزويد القارئ الفرنسي برؤية شاملة مُلحّة عن واقع الأدب والحياة في مجتمع الإمارات. وبالتزامن مع ذلك فقد صدرت ترجمة مختارات قصصية لكاتبات إماراتيات للفرنسية، وكذلك مختارات شعرية لشاعرات إماراتيات.

وتضمنت الأنطولوجيا حينها 32 من الشعراء الإماراتيين المعاصرين والحداثيين هم: صالحة غباش، ناصر جبران، جعفر الجمري، كريم معتوق، إبراهيم محمد إبراهيم، إبراهيم الهاشمي، منى مطر، جمعة فيروز، حارب الظاهري، ظبية خميس، ثاني السويدي، سعد جمعة، أسماء المزروعي، خلود الملا، شهاب غانم، الهنوف محمد، عبدالعزيز جاسم، ميسون صقر، حبيب الصايغ، خالد الراشد، عادل خزام، عبدالله محمد السبب، هاشم المعلم، خالد البدور، إبراهيم الملا، محمد المزروعي، أحمد محمد عبيد، نجوم الغانم، علي العندل، أحمد راشد ثاني، عارف الخاجة، وظاعن شاهين.

بالمقابل مضى هذا العام 11 سنة على تأسيس مشروع "كلمة" للترجمة في أبوظبي أنجز فيها هذا المشروع الأهم عربياً ما يزيد عن ألف كتاب بلغة الضاد مُترجم عن العديد من أهم لغات العالم، وكان من أبرز إنجازاته أن قدم للقارئ العربي 5 قرون من الشعر الفرنسي في 100 كتاب، في مبادرة جاءت لتثري المكتبة العربية بروائع الأدب الفرنسي.

الجدير بالذكر أن إدارة جائزة الأدب العربي المنشور بالفرنسية، تمنح جائزتها منذ العام 2013 لرواية أو مجموعة قصصية منشورة لكاتب عربي سواء باللغة الفرنسية، أو مُترجمة إليها عن اللغة العربية، وهي تعتبر من أهم الجوائز الممنوحة للمبدعين العرب في مجال التأليف، وتهدف بشكل أساسي للتعريف بالثقافة العربية ونشرها، ومع تصاعد وتنامي حركة الترجمة للإبداعات الإماراتية للفرنسية بشكل ملحوظ فهناك فرصة متزايدة ليحصل عليها الأدب الإماراتي قريباً.

كما ويتزايد الحضور القوي عموماً للغة العربية في المشهد الثقافي الفرنسي، خاصة مع إعلان رئيس المركز الوطني للكتاب في فرنسا، فينسان موناديه، عن رفع مُساعدات الناشرين لترجمة الكتب من العربية إلى الفرنسية، ومن الفرنسية إلى العربية بنسبة 70% من تكاليف الإصدار خلال الفترة من 2018-2020. وقد نجح المركز خلال العامين 2016 و2017 في تقديم الدعم لـ251 مشروع ترجمة إلى مختلف اللغات الأجنبية، منها 18 كتاباً مُترجماً إلى اللغة العربية، إضافة لمُساعدة 266 مشروع ترجمة إلى الفرنسية منها 7 كتب عن العربية.