"حيوات ناقصة" لرامي طويل.(أرشيف)
"حيوات ناقصة" لرامي طويل.(أرشيف)
الإثنين 6 أغسطس 2018 / 20:09

البعثي

نجد في عبد الرحمن صورة الحزبي بل صورة الحزب، بينما نجد من بعيد في وفاء، سوريا التي تحطمت احلامها ومستقبلها وانحدرت بسبب النظام إلى أسوأ مستوى

رامي طويل في "حيوات ناقصة" واحد من الروائيين السوريين الذين يتدافعون ليكتبوا ما يسمى رواية الحرب. يمكننا أن نسمي في هذا المجال خالد خليفة وفواز حداد وخليل صويلح وآخرين.

رواية الحرب هذه تشكل فاصلاً داخل الرواية السورية، ومرحلة مختلفة عن رواية ما قبل الحرب أو رواية للتمهيد لرواية الحرب. لا ننتظر من رواية الحرب أن تكون دائماً حربية. إن ما يميزها أكثر هو أنها سورية، بمعنى أن المجتمع السوري في ظل النظام الحالي هو موضوعها. ليست حربية بالضرورة لكنها حول النظام الحالي وحول الحزب الحاكم وحول التدهور السياسي والاجتماعي والعسكري. من هنا تنفذ الى الحرب بدون أن تقولها بالضرورة.

الرواية هذه رواية عبد الرحمن الذي يجتهد ويصرف جل وقته في الاستعداد للامتحان الدراسي، آملاً في أن يحوز على معدل يرشحه لدراسة الطب، لكن كل جهده لا يكفي إلى أن يصل لهذه النتيجة، فيضطر بعد أكثر من خيبة الى أن يرضى بدراسة الهندسة. عبد الرحمن ليس فقط عاجزاً عن الوصول الى النتيجة التي تؤهله لدراسة الطب بدون أن ندري السبب. إن عجزه الكلي والشامل ويكاد يحيط بحياته كلها، إنه عاجز عن الاندماج الاجتماعي، عاجز عن حسن الحديث وحسن الكلام، عاجز بطبيعة الحال عن أن يجد صديقة أو أن يحب امرأة، لكنه ابن رجل نافذ في الدولة والحزب. والمعني بنافذ أنه يجيد مناورات أو ألاعيب السلطة والفساد الذي يعشش فيها. لهذا لم يخسر عبد الرحمن كثيراً بتركه الطب، فهو كمهندس لا يزال يحظى، ولو زوراً، بلقب دكتور، وهو إبن ابيه وبواسطة أبيه يخوض في مشاركات مع نافذين في الحزب والدولة، تجعله أيضاً نافذاً وثرياً. نحن أمام رجل هو نكرة، وهو صفر، وهو بطبيعة الحال بدون رأي في السياسة أو الدولة. إنه يقبل الأمور كما هي في هذا المجال، إنه مع الحكم لأنه الحكم وهو مع النظام لأنه النظام وهو فاسد، بالسليقة وبالفطرة، بدون أن يقلقه ذلك أو يجرح ضميره، فهو مع الأمر الواقع وهو مع الأمور التي يجد نفسه عليها وهو بعثي لأنه في دولة البعث.

من الناحية الثانية هناك وفاء زوجته التي اختارتها له أمه، ولم يسبق له أن خاض علاقة مع امرأة، فهو لا تجربة له مع النساء، ولا يفعل سوى أن يطلب من امرأته أن تطفئ النور في الغرفة ثم يجثم فوقها بكامل ثيابه وكامل ثيابها. ليست وفاء من هذا النوع، لم يكن لها سابق تجربة ولكن كان لها الشوق الى أن تخوض تجربة مع زميل لها. وظل هذا الحلم بل ذلك الشخص حيّين في داخلها، وحين تلتقي بالدكتور نزار تستعيد معه ذلك الحلم، لكنّ ما تريده من نزار هو أن تسترجع معه زميلها السابق، لذا لا تكرر التجربة معه، لكنّ تكررها مع آخرين في كل منهم أثر وسيماء ما من زميلها السابق. لقد تحولت بسبب زواجها الخائب وتجوّف زوجها وتسطّحه الى شبه عاهرة. إنها هكذا تنتقل من رجل الى رجل وراء ظل رجل غائب، وهرباً من ظلّ رجل حاضر هو واقعها الذي يشبه ولو بالرمز الواقع السوري اليوم.

لو استمررنا في هذه القراءة لرواية رامي الطويل، قراءة بالرمز، لما تعبنا كي نجد في عبد الرحمن الأجوف الراضي بالواقع، العاجز عن الاعتراض، غير القادر على الموقف والرأي، المشترك في الفساد، نجد في عبد الرحمن صورة الحزبي بل صورة الحزب، بينما نجد من بعيد في وفاء، سوريا التي تحطمت احلامها ومستقبلها وانحدرت بسبب النظام إلى أسوأ مستوى.