رتل لآليات هيئة تحرير الشام في إدلب.(أرشيف)
رتل لآليات هيئة تحرير الشام في إدلب.(أرشيف)
الإثنين 13 أغسطس 2018 / 13:05

الحرب السورية إلى المنعطف الأكثر خطورة

حذر تقرير في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية من أن الحرب السورية تدخل على الأرجح مرحلتها الأخيرة والأكثر خطورة؛ حيث يتعين على الحكومة السورية وحلفائها التنافس للمرة الأولى مع القوات الأجنبية من أجل اعادة سيطرة الرئيس السوري بشار الأسد على بقية البلاد.

تريد جماعات المعارضة في إدلب ضمانات للحماية وأن يكون لديها شكل من أشكال الحكم الذاتي ربما تحت رعاية تركية وروسية

وتلفت ليز سلاي، مراسلة الصحيفة، إلى أن هزيمة قوات الأسد للمعارضة في جنوب غرب سوريا جعلت الأخير يسيطر على غالبية البلاد بشكل كبير، ويبدو أن نفوذه لا يواجه الآن أي تهديد عسكري أو دبلوماسي واضح. بيد أن ما لا يقل عن ثلث سوريا لا يزال خارج سيطرة الأسد، وتحديداً المناطق المحتلة من القوات التركية والأمريكية.

حرب إقليمية

وكانت تركيا نشرت جنوداً في الشمال الغربي، في أجزاء من المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة في حلب وإدلب، وقد حدد الأسد أن تلك المناطق ستكون الهدف التالي لهجوم قواته، أما الولايات المتحدة فلديها قرابة 2000 من القوات الخاصة الأمريكية الذين يسيطرون على الشمال الشرقي لدعم حلفائها الأكراد الذين يقاتلون داعش.

وينوه التقرير إلى أن إيران أيضاً قد رسخت قواتها والميليشيات المتحالفة معها إلى جانب القوات السورية الموالية لها في جميع أنحاء المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية، الأمر الذي يثير قلقاً عميقاً لدى إسرائيل. وعلى الرغم من دخول الحرب مراحلها النهائية، فإن خطر اندلاع صراع أوسع لايزال قائماً بحسب المحللين.

ويرى تقرير "واشنطن بوست" أنه يقع على عاتق روسيا إنقاذ سوريا من الانزلاق في مثل هذا الشرك، باعتبارها القوة الخارجية الوحيدة التي تتمتع بعلاقات جيدة مع كل الدول التي لديها مصلحة في الحرب السورية، بما في ذلك إسرائيل وإيران. وعقب التدخل في الصراع من أجل انقاذ نظام الأسد خلال 2015، نجحت موسكو إلى حد كبير في تحقيق التوازن بين المصالح المتنافسة للاعبين المختلفين، مما أدى إلى تهدئة المخاوف من أن يتسبب الصراع باندلاع حرب إقليمية.

صدام بين إيران وإسرائيل
وينقل التقرير عن رياض قهوجي، رئيس شركة أنيغما للاستشارات الدفاعية ومقرها دبي، قوله "يبدو أن قدرة روسيا على السيطرة على تلك المخاوف المتنافسة محدودة وسيتم اختبارها خلال المعارك المقبلة، وبخاصة لأن نفوذ روسيا ليس كما تتظاهر، وثمة دليل واضح يتمثل في إخفاق الدبلوماسية الروسية مؤخراً في التعامل مع مخاوف إسرائيل إزاء وجود إيران في سوريا".

ويضيف "لقد استثمرت إيران الكثير في سوريا، وهي لن تغادرها الآن على الأقل إذا كانت ستفعل ذلك في أي وقت لاحق، ومن ثم فإن رفض إيران إخراج قواتها من سوريا وإصرار إسرائيل على خروج تلك القوات، من شأنه أن يسفر عن صدام في نهاية المطاف".
ويعتبر كمال علام، من المعهد الملكي للخدمات المتحدة ومقره لندن والذي كان في زيارة مؤخراً لدمشق، أن أولويات روسيا في الوقت الراهن تتمثل في تحقيق الاستقرار في المناطق التي استعادتها قوات نظام الأسد فعلاً، وإعادة جزء على الأقل من اللاجئين الستة ملايين الذين فروا من البلاد، إضافة إلى إعادة بناء الجيش السوري، وبدء إعادة الإعمار، فضلاً عن ضمان الاعتراف الدولي بالجهود الروسية من خلال تسوية سلمية.

إدلب .. خط أحمر

ويقول علام: "يدرك الروس أن المناطق التي تمت استعادتها هي بمثابة قنابل موقوتة، ولذلك تريد روسيا التأكد من عدم شن هجمات انتقامية واسعة النطاق، والواقع أن الحرب لم تنته بعد، ولكن الوقت الآن مناسب لاستقرار البلاد، لاسيما أن العمل الشاق قد تم انجازه فعلاً".

وبحسب التصريحات الأخيرة للأسد وحلفائه، فإن الأولوية الفورية للحكومة السورية هي استعادة المناطق المتبقية خارج سيطرتها بداية من محافظة إدلب، وقد عمدت الحكومة السورية إلى إعادة نشر قواتها في الشمال تحسباً لوقوع هجوم في إدلب. وفي الوقت نفسه، تعزز تركيا مراكز المراقبة الخاصة بها في المقاطعة (التي تم تأسيسها بموجب اتفاق مع الروس)، وقد وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إدلب بأنها "خط أحمر" وتعهد بمقاومة أي محاولة لاستعادة الإقليم من دائرة النفوذ التركية، مما يزيد من خطر المواجهة بين بلاده (حليفه الناتو) وسوريا وروسيا وإيران.

ويحذر تقرير "واشنطن بوست" من أن القتال على إدلب سيكون أكثر تدميراً من أي معارك سابقة؛ فعندما استعادت القوات السورية جيوب الأراضي الأخرى، كانت تحصل تسويات من خلال إجلاء المعارضة إلى إدلب التي تضم الآن قرابة 70 ألف مقاتل، وهو أكبر تجمع لمقاتلي المعارضة، وثمة عدد كبير منهم من المتطرفين الذين ينتمون إلى الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا.

أكبر أزمة إنسانية
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ تضم إدلب نحو ثلاثة ملايين من المدنيين الذين لجأ الكثيرون منهم إلى هناك بعد الفرار من القتال الدائر في أماكن أخرى من البلاد، وعلى الأرجح أن الهجوم على إدلب من شأنه أن يتسبب بأكبر أزمة إنسانية في سوريا، علاوة على نزوح جماعي جديد للاجئين إلى تركيا وربما إلى أوروبا، بحسب المحللين.

ويوضح المسؤولون الروس أنهم يفضلون التوصل إلى حل بالتفاوض بشأن إدلب، مثلما حدث في المعركة الأخيرة بجنوب غرب سوريا (وهي نتيجة غير دموية مقارنة بحمامات الدماء في أماكن أخرى). وفي صفقة الجنوب الغربي لسوريا، وافقت معظم جماعات المعارضة على التصالح مع الحكومة السورية مقابل الحصول على درجة من السيطرة المحلية، وانضم بعضها إلى القوات الموالية للأسد لاستعادة السيطرة على آخر جيب يسيطر عليه داعش.

صفقات
ويلفت تقرير "واشنطن بوست" إلى أنه في سبيل تجنب اندلاع معركة دامية، أعلنت روسيا أنها مستعدة لتقديم "أي مساعدة" للمعارضة المعتدلة التي توافق على محاربة الجماعات المتطرفة، ويبدو أن المعارضة تميل إلى قبول مثل هذا الترتيب شرط الحصول على مكاسب في المقابل. فعلى سبيل المثال تريد جماعات المعارضة في إدلب ضمانات للحماية وأن يكون لديها شكل من أشكال الحكم الذاتي ربما تحت رعاية تركية وروسية.

ومن ناحية أخرى، لا تمثل المنطقة الواقعة تحت سيطرة الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا إشكالية كبرى حتى الآن، فقد أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رغبته في بقاء قوات العمليات الخاصة الأمريكية هناك فقط لضمان هزيمة كاملة لداعش الذي لا يزال يسيطر على جيب بالقرب من الحدود العراقية.

ويختتم التقرير بالإشارة إلى أن الأكراد السوريين (الذين تحالفوا مع القوات الأمريكية) بدأوا محادثات مع دمشق تستهدف إنقاذ شكل من أشكال الحكم الذاتي المحلي.