شبان من داعش.(أرشيف)
شبان من داعش.(أرشيف)
الإثنين 13 أغسطس 2018 / 19:35

الاجتثاث بدلاً من قصقصة الفروع

التطرف أكثر إغواء لقطاعات كبيرة من الشباب اليائس الباحث عن فرصة لكسر حصار الفقر والبطالة وانعدام الثقة في المستقبل

بعد كل ما حدث في سوريا والعراق، ورغم ما يحدث في ليبيا وسيناء وساحات أخرى يجتاحها الظلاميون بالحروب أو يخترقونها بالعمليات الإرهابية، ما زال البعض يرى الحوار مع الدواعش والقاعديين وسيلة أمثل لمواجهة الإرهاب الأصولي الذين يعيث في الأرض العربية قتلاً وخراباً.

ينطلق دعاة الحوار من قناعة لا تبدو بريئة بأن مجاميع الإرهابيين الأصوليين تتشكل من شباب مغرر بهم، ينبغي نصحهم وإعادتهم إلى ما يراه الدعاة رشداً. بينما يؤكد واقع الحال أن هؤلاء الدعاة ومن شابههم يشكلون بالفعل حواضن اجتماعية للأصولية التكفيرية بكل أشكالها وتجلياتها المتطرفة بما فيها الإرهاب. وقد ساهموا في تغذية التطرف منذ حرب أفغانستان وحشد "المجاهدين" للالتحاق بالقاعدة وطالبان في تلك البلاد البعيدة تحت شعار "محاربة الكفار السوفييت"، ثم واصلوا الحشد في ذات السياق عندما هبوا إلى نصرة داعش والقاعدة في سوريا والعراق بدوافع طائفية واضحة.

معظم دعاة الحوار خرجوا من تحت عباءة جماعة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية التي عملت ولا تزال تعمل في وضح النهار في عدد من الدول العربية، وتشارك حتى في حكومات بعض الدول. وهو ما يفسر، ولو جزئياً، انتشار الأصولية في المجتمعات وتنامي ظاهرة التشدد وتجاوز الهويات الوطنية بانتماءات عابرة للحدود.

في أزمان سابقة كانت حكومات عربية تطارد الشيوعيين بحجة ارتباطهم بموسكو، وقد نجحت تلك الحكومات في تحجيم المد اليساري في المنطقة في عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي. لكن هذه الحكومات لم تستشعر خطورة المد الأصولي، ولم تستفد من التجارب العربية القريبة، ولم تقرأ ما أسسته العشرية السوداء للجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر، وما اقترفته جماعة التكفير والهجرة في مصر، كما لم تستفد مما كشفته مراجعات رموز التيار السلفي الجهادي في السجون.

واختارت أن تغمض عيونها على مشهد التحشيد الأصولي سواء للقتال في أفغانستان أو الخروج إلى سوريا والعراق، فتفشى الفكر التكفيري وانتشر كالنار في الهشيم.

بعد ذلك، وفي صحوة متأخرة بدأت دول عربية بالتنبه إلى الخطر الكامن في الداخل، ولجأت إلى محاولات علاجية، لم تحقق نتائج ملموسة حتى الآن، في سياق محاربة التطرف والدعوة إلى الاعتدال والتسامح. وهي، حتى الآن تراهن على النجاح في تصحيح المفاهيم المغلوطة، ولا تدرك أن التطرف أكثر إغواء لقطاعات كبيرة من الشباب اليائس الباحث عن فرصة لكسر حصار الفقر والبطالة وانعدام الثقة في المستقبل.

صحيح أن هناك قيمة كبيرة للتربية في البيت والتعليم في المدرسة والإعلام المستنير، لكن كل ذلك لا يكفي، ولا يمكن اعتباره حملة حقيقية ضد التطرف والانحراف الفكري والنزوع إلى الجريمة، طالما ظلت أبواب مقرات الجماعات الإخوانية والسلفية مفتوحة، وطالما ظلت يافطاتها معلقة في شوارع عربية.

قد يرى البعض في هذا الطرح مبالغة وتضخيماً لخطورة هذه الجماعات، لكن ما يجري في أكثر من بلد عربي يؤكد هذه الخطورة التي وصلت حد التهديد الوجودي للدول والمجتمعات. ولعل من المناسب في هذه اللحظة التي تشهد انهيار الإرهاب الأصولي في سوريا والعراق، وارتدادات هذا الانهيار على دول الجوار ورد الفعل الانتحاري العنيف للجماعات التكفيرية في دول قريبة وبعيدة، أن تبادر الدول إلى اجتثاث الأطر الأصولية وإغلاق مقراتها وحرمانها من فرصة التحشيد المجتمعي، بدلاً من محاولات قصقصة فروعها وتضييق مجالات فعلها وحركتها المعادية للدولة الوطنية.. وللوطن كله.