تعبيرية.(أرشيف)
تعبيرية.(أرشيف)
الإثنين 13 أغسطس 2018 / 20:16

قبل البداية

محمد سعيدون لم يفرّق كثيراً بين تجارة السلاح والمخدرات وإنتاج الأفلام، لا أعرف إذا كان يستحق، هكذا، أن يكون موضوعاً فنياً

فنان آخر يأتي من ألمانيا. صلاح الصولي الذي يعيش فيها منذ وقت طويل، ومن هناك يحمل عروضه إلى بقية العالم ومن ضمنه بلده الأصلي لبنان.

لا أعرف كيف أسمي صلاح الصولي. في عرضه الأخير يستحق أن يسمى عارضاً، على أساس أن المهم أن تجد عرضاً أياً كان موضوعه: حقبة، مجموعة، حدث، شخص، ظاهرة، أو تاريخ.

في الحقيقة المهم أن تؤلف عرضاً من أي شيء، وأن يكون هذا فنك. شخص آخر من ألمانيا وفي الصالة نفسها في بيروت، "أجيال"، وهذه المرة العرض عن شخص حياته مغامرة، مارس كل شيء وفي مرحلة من حياته تاجر بالمخدرات وبالسلاح أثناء الحرب الأهلية، قبل أن يقنعه مخرجون محدثون بأن ينتج أفلاماً، وهكذا تحوّل إلى منتج أفلام، من هنا، لا أعرف إذا كان الأمر يستحق، دخل الى الفن. أنتج خمسة أفلام وهو لايزال حائراً بهذه المهنة، لكنّ الرجل وهو يتحوّل من فتوّة "قبضاي" إلى مهرّب إلى تاجر سلاح ومخدرات، إلى منتج سينمائي، ظل تقريباً في المغامرة نفسها، لم يفعل شيئاً أكبر منه، لم يعتقد أن شيئاً يفوته. لقد دخل منذ البداية في عالم لا يستثني شيئاً أو يستبعده. متى صار منتج أفلام، هل يجعله هذا في تاريخ السينما اللبنانية أو يجعل منه فناناً بالصدفة؟ محمد سعيدون لم يفرّق كثيراً بين تجارة السلاح والمخدرات وإنتاج الأفلام، لا أعرف إذا كان يستحق، هكذا، أن يكون موضوعاً فنياً. هل يعني شيئاً في هذا السبيل أن يكون منتج أفلام، أم أن الأكثر إغراءاً أن يكون منتج أفلام على طريق لا تستبعد السلاح والمخدرات، وأن نتأمل السينما وهي تولد في طريق كهذا أو على طريق كهذا؟ الأرجح أن حياة بهذا المسار وهذا التضارب تستحق وحدها أن تكون عرضاً، وأن تكون بالتالي فناً.

ملصقات أفلام على الجدران متموضعة على مربع كلام هو نفسه الذي نسمعه من شاشات كثيرة في القاعة العلوية والطابق السفلي. في الطابق السفلي شاشات وعلى واحدة منها محمد سعيدون ورفيق له، ترافقا في الأندية الرياضية، كلاهما اكتهل لكنّ الصديق لا يزال يتدرب والاثنان يتكلمان معاً، يسترجعان ذكريات هي الأخرى مشتتة ومتفاوتة ومختلفة، زمن الشباب وزمن المغامرات النسائية التي خطف في واحدة منها امرأة من صديقه، والإثنان يضحكان لهذه الذكرى.

 سعيدون يتكلم على خمس شاشات، ويمكن أن نقول أن حياته تملأ القاعتين، تملأ المكان. إنها تنبث في كل مطرح، لكنها أيضاً بمسارها، بتحولاتها، بانتقالاتها أو بعشوائيتها وقفزاتها وتنقلاتها العجيبة، سيرة حقبة، بل سيرة لبدايات السينما اللبنانية التي لا تزال إلى الآن بادئة، بدون أن تنمو وبدون أن تغادر، طور البداية، وبدون أن تصنع تاريخاً. ليست هذه السينما بمستغربة حين يكون أحد صانعيها "قبضاي" وتاجر مخدرات وتاجر سلاح. ليس هذا الا مسار سينما لا تزال تخبط في كل مكان، وتبدأ من قبل البداية، وتبقى في هذه الحال الجنينية الى زمن قريب.

لكننا لا نستغرب أن يكون "قبضاي" سابق وتاجر سلاح منتجاً سينمائياً، فإننا نجد سيرة السينما اللبنانية التي تجاهد من عقود لكي تبدأ ولا تستطيع أن تبدأ. ليس سعيدون وهو يروي مغامراته في هذه السينما فريداً في ذلك. لم يقفز فقط تاجر سلاح ليكون منتجاً سينمائياً، ولكن قفز أشخاص غيره من أمكنة شتى ليكونوا مخرجين وممثلي بطولة، واختفت اسماؤهم ولم تبق الا على ملصقات الأفلام. يروي سعيدون عن مخرج اضطره للذهاب إلى اليونان ليصور معالم أشبه بمعالم بيروت ومطاراً أشبه بالمطار اللبناني. إنه ما قبل مخرج لسينما قبل البداية.