أتراك أمام مصرف تركي في اسطنبول.(أرشيف)
أتراك أمام مصرف تركي في اسطنبول.(أرشيف)
الجمعة 17 أغسطس 2018 / 11:23

أوروبا تتفرج على احتراق تركيا.. هل يتبع أردوغان نموذج مادورو؟

أشار المراسل البارز للشؤون الأوروبية في مجلة "بوليتيكو" ماثيو كارنتشنيغ إلى أنّ المسؤولين الأوروبيين أعلنوا أنهم يريدون مساعدة تركيا لتتخطى أزمتها المالية لأنّ آخر ما يريدونه حالياً هو فقدان تركيا للاستقرار.

في وقت قد يخاف بعض الأوروبيين من أن تتسبب الأزمة التركية في تعريض اتفاق اللاجئين بين الطرفين للخطر، فإنّ هذا غير مرجح

ومع ذلك، لا يستطيع هؤلاء إلا الجلوس والتفرج على المشهد التركي. يرى كارنتشنيغ أن لا إرادة سياسية أوروبية للتورط في الأزمة بعدما ساهمت مواقف أردوغان العدوانية ضد جيرانه الأوروبيين والألمان بالتحديد، في إضعاف رأسماله السياسي في مختلف أنحاء القارة.

وفي وقت قد يخاف بعض الأوروبيين من أن تتسبب الأزمة التركية في تعريض اتفاق اللاجئين بين الطرفين للخطر، فإنّ هذا غير مرجح. والسبب هو أن أردوغان يريد العملات الصعبة الآن أكثر من أي وقت مضى. حتى تعامل عدد من المصارف الأوروبية الكبيرة مع تركيا لن يغير الحسابات السياسية لأوروبا. على الرغم من بواعث قلق المستثمرين حول الخصوم التي تصل إلى حوالي 190 مليار دولار، فإنّ هذا يشكل جزءاً من حجم القروض الكلي للقطاع. ولهذا السبب، يصف مصرف جاي بي مورغان المخاطر التركية على المصارف الأوروبية بأنّها "بارزة لكن يمكن إدارتها".

ما الذي يجعل الأزمة خطيرة جداً؟

حجم التجارة الأوروبية مع تركيا محدود أيضاً. تبلغ حجم صادرات برلين إلى أنقرة 1.6% من إجمالي الصادرات الألمانية. يتوقع الاقتصاديون بأن تحتاج تركيا إلى نوع من أنواع الإنقاذ لو استمرت وفق مسارها الحالي. لكن آليات الإنقاذ الأوروبية هي للدول الأعضاء في الاتحاد فقط. وحتى لو أمكن لأوروبا أن تساعد الأتراك فإنّه من المرجح أن يرفض أردوغان الشروط المرتبطة بالمساعدة كتخفيض الإنفاق بشدة.

إنّ الأزمة التركية الناجمة عن سنوات من السياسات المالية والنقدية المتساهلة هي بكاملها تقريباً من صنع أردوغان. وما يجعل الأمر خطيراً جداً أنّ أردوغان هو الشخص الوحيد الذي يتمتع بسلطة إصلاح الأمور. ومن غير المرجح أن يفعل ذلك في المستقبل القريب.

لا نية لاتّباع سياسة صائبة
بدلاً من التوصل إلى تسوية في خلافه مع ترامب حول سجن القسيس أندرو برانسون، يصر الرئيس التركي على تصعيد موقفه وإعلان أنه مستعد ل "الحرب". وقال يوم الثلاثاء إنّ الأتراك سيقاطعون الأجهزة الإلكترونية الأمريكية. كذلك، انتقد معارضي الداخل واصفاً إياهم ب "الخونة" و "الإرهابيين الاقتصاديين". ولم يظهر أردوغان نية لاتباع خطوات سياسية صعبة مثل رفع معدلات الفائدة وضبط التضخم وإيقاف هبوط الليرة. فإجراءات كهذه تعني تقييد التوسع الاقتصادي التركي الذي ساعده على تعزيز سلطته.

سيشعرون بالألم
مع خضوع وزارة الخزانة لصهر أردوغان ومع اختطاف استقلالية المصرف المركزي، فقدت تركيا صدقيتها لدى العديد من المستثمرين الدوليين. وبتدهور الليرة التركية أكثر يوم الثلاثاء، تعتقد قلة فقط أنّ الأزمة قريبة من الانفراج. يتمحور السؤال الوحيد حول ما إذا كانت المشكلة المالية ستتحول إلى أزمة سياسية واقتصادية ومالية أوسع. ومع وصول التضخم إلى 15% واستمراره بالتصاعد، يتساءل كثر عن المدة التي سيبقى فيها أردوغان على هذا المسار.

إنّ الطبقة الوسطى في تركيا التي صوتت بشكل كبير لأردوغان تملك نسبة كبيرة من مدّخرات البلاد التي تتبخر بسرعة بسبب التضخم. وإن لم يشعر الأتراك بالألم الذي تتسبب به هذه الأزمة فسيشعرون بذلك عمّا قريب.

قلق نفطي
من جهة أخرى إنّ انهيار الليرة سيعيق قدرة الشركات على إعادة سداد القروض. يضاف إلى ذلك أنّ الأزمة المالية تعني أنّ إعادة تمويل القروض أو البحث عن دين جديد سيكون صعباً إن لم يكن مستحيلاً. أما القلق الآخر فيبرز في القطاع النفطي. تركيا هي مستورد صاف للنفط الذي تشتريه بالدولار. وقال رئيس قسم أبحاث العملات في مصرف كومرزبنك الألماني أولريتخ لوخمان إنّ ذلك سيكون له تأثير بارز على الاقتصاد.

قواسم مشتركة بين أردوغان ومادورو
في انتقاد نادر لأردوغان، طالبت مجموعات من رجال الأعمال الحكومة التركية يوم الثلاثاء باتخاذ خطوات ضرورية للبدء في حل الأزمة، بما فيها إنهاء الخلاف مع واشنطن ورفع الفوائد. نظراً إلى الضغوط الكبيرة، يعتقد مراقبون أنّ تراجع أردوغان سيكون مسألة وقت فقط، حيث سيطلب المساعدة من صندوق النقد الدولي. لكنّ خطاباته تقترح العكس. انتقد أردوغان مراراً صندوق النقد الذي لديه تاريخ طويل في إنقاذ بلاده. وسيجبره قبول مساعدة الصندوق على التخلي عن فكرته بأن تركيا تستطيع تدبر أمرها بنفسها. يشبه وضع أردوغان وضع رئيس فنزويلا الذي انتقد المؤسسة نفسها واتهم الغرب بشن حرب اقتصادية ضده. وبصرف النظر عن تدهور اقتصادها ترفض كاراكاس المساعدة الإقليمية. يتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل التضخم الهائل في فنزويلا مليون بالمئة في وقت لاحق من هذه السنة.