مقاتلون من داعش.(أرشيف)
مقاتلون من داعش.(أرشيف)
الجمعة 17 أغسطس 2018 / 20:09

ليس لديه ما يخسره!

الحرب الحقيقية على الإرهاب يجب أن تبدأ من الحرب على الفقر والجهل سواء في العالم الإسلامي أو في العالم برمته، وعلى الولايات المتحدة بشكل خاص مسؤولية كبرى

نحن بحاجة ماسة كعرب ومسلمين للتعمق اكثر في دراسة ظاهرة الإرهابي، وبخاصة أسبابها، والاجابة بشكل علمي عن العديد من الأسئلة المرتبطة بها، فهل الإرهابي هو نتاج ظروف عابرة، أم هو نتاج بيئة حاضنة فيها من الأفكار والمعتقدات ما يعزله عن الحياة والعالم، أم هو مريض نفسي يعاني من شعور عميق بالاضطهاد كوّن في داخله حقداً على الآخر؟

ربما يكون واحداً مما سبق أو هو خليط من كل ما سبق، ولكن الحقيقة الثابتة في هذه المعادلة الإشكالية أن الإرهابي هو قاتل، وفي كثير من الأحيان يجهل دوافع قتله، وأسباب اختيار ضحاياه.

في تحليل شخصية الارهابي أنا أكثر ميلاً إلى تأثير العامل الاقتصادي – الاجتماعي في صناعته، ففي معظم الحالات التي جرى فيها تتبع ظواهر الإرهاب والارهابيين وجد أن هناك قاسماً مشتركاّ بينها ألا وهي البيئة الفقيرة والمتخلفة. ففي مثل هذه البيئة يتربى أطفال وشباب على ثقافة محلية في أغلبها موغلة بالخرافة والاستسلام المرضي، للقدر ولحركة الحياة دون بذل أدنى جهد أو فعل للتغير أو تطوير مجرياتها، بل والايمان بأن التطاول أو الانتفاض على الواقع هو نوع من أنواع الكفر والإلحاد وتعزيز الفهم الخاطئ والكارثي للآية الكريم "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا".

في مثل هذه البيئة ينمو ويترعرع الإرهاب، في البيئة الفقيرة التي لا يجد فيها الشاب فسحة للأمل أو فرصة للعمل ولا حياة كريمة، في هذه البيئة تتبلور الشخصية المتطرفة والعنيفة والحاقدة على كل شيء لأنها لا تملك أي شيء. هنا يصبح هؤلاء الشباب صيداً ثميناً للجماعات الإرهابية المنظمة والتي تملك أجندات تخريبية، وتصبح عملية زرع عقول هؤلاء الشباب بأية أفكار في ظل الواقع الذي يعيشونه عملية سهلة للغاية وبخاصة تلك الأفكار الدينية المشوهة والمحرفة التي تقدم لهم على أنها "الإسلام الحقيقي".

في هذا المصنع الاجتماعي – الاقتصادي يُصنع الإرهابي ويبرمج ويتم توجيهه ويصبح بندقية للقتل أو قنبلة للتفجير، مسلوب الإرادة والعقل تحركه الخرافة والحقد الطبقي أو الحقد الإجتماعي، فتراه بالشكل متديناً ولكنه في الواقع هو لا يؤمن بالحياة ويعتبرها رفاهية بالية، فائضة عن الحاجة، وتراه يتساءل على الدوام "ما نفع الحياة"؟، وما جدواها؟ وتراه يسابق القدر من أجل (الموت في سبيل الله) لدخول الجنة والتلذذ بنعيمها وبخاصة "الحور العين"!!

إن الحرب الحقيقية على الإرهاب يجب أن تبدأ من الحرب على الفقر والجهل سواء في العالم الإسلامي أو في العالم برمته، وعلى الولايات المتحدة بشكل خاص مسؤولية كبرى بحكم أنها قدمت نفسها على أنها شرطي العالم والمسؤولة عن أمنه، وعليها أن تحرص خلال حروبها المستمرة ضد الإرهاب على عدم زيادة حالات البؤس الإنساني واليأس، وأن لا تكون تلك الحروب سبباً في صناعة مزيد من التطرف وجيوب الفقر، وأن يكون على رأس أجندة الحرب على الارهاب التنمية الاقتصادية ومحاربة الفقر والبطالة، بالتوازي مع التنمية الاجتماعية والثقافية وصولاً إلى المرحلة التي يصبح فيه من هو واقع في بيئة الارهاب أو قابل للانزلاق فيها يفكر في ما سيخسره!!