خروف يساق إلى الذبح.(أرشيف)
خروف يساق إلى الذبح.(أرشيف)
الجمعة 17 أغسطس 2018 / 19:00

أضاحي العيد

ستعود خلال الأيام القليلة المقبلة الانتقادات الموسمية إلى أولئك الظرفاء الذين يصورون فلذات أكبادهم بين أكباد وأمعاء الخراف، مبررين ذلك بأنهم شهدوا ذبح مئات الخراف في صغرهم، ولم يصبهم بأساً

كثيراً ما رافقت والدي في صغري لشراء أضاحي العيد، بكل ما يتطلبه التقليد السنوي من طقوس كنت أكررها دون أن أفهمها، مثل تلمّس ظهور الماعز لتمييز الهزيل من السمين، والحرص على سقيهم الماء قبل الذبح.

وكذلك لم أفهم لم كنت أركض بسرعة البرق لأختبئ في أبعد غرف المنزل حين يتقاطع ثغاء الماعز الهلعة مع تكبيرات القصّاب الباكستاني حاتم. ثم ما إن تنحسر الأصوات البوهيمية في ألمها، ويبقى صوت ساطور حاتم وهي تقطّع أجزاء الماعز الذبيحة، حتى أخرج من مخبئي لأقف أمامه مراقبة ما تبقى من المشهد.

كبرت. وكبر حاتم. ولا زال ضيفاً دائماً على منزلنا، بيد أنني لم أعد أمارس تمثيليتي المصغرّة في ادعاء القوة والشجاعة أمامه. بل إني غالباً ما أشيح بوجهي عن الماعز المربوطة بانتظار أن تلقى حتفها صبيحة اليوم التالي، فأدلف من الباب بخجل وكأنني المحامي الذي فشل في الترافع عنها.

ولكن في هذا العام، تخالجني الرغبة في أن أقف أمام حاتم مجدداً، حبذا وهو يغسل سكاكينه بالشكل الروتيني ذاته استعداداً للرحيل. سأسأله كيف أصبح أولئك الأطفال الذين صمدوا ببسالة عيداً تلو العيد فيما جزّ أعناق الحيوانات. سأسأله كيف بات من لم يطلقوا سيقانهم للريح، ومن لم يدسوا أصابعهم في آذانهم فيما راح يسنّ الموت للأضحية.

ستعود خلال الأيام القليلة المقبلة الانتقادات الموسمية إلى أولئك الظرفاء الذين يصورون فلذات أكبادهم بين أكباد وأمعاء الخراف، مبررين ذلك بأنهم شهدوا ذبح مئات الخراف في صغرهم، ولم يصبهم بأس. شأنهم في ذلك شأن جميع من يؤكدون بأنهم ضُربوا، وشُتموا، وأُهينوا، وذاقوا الويلات في البيت والمدرسة، بل وحتى من أئمة المساجد، وجيرانهم في الحي، وها هم على خير ما يرام.

وأنا لا أتقلّد شهادة في علم النفس، أو أرتقي منبراً وعظياً، فلا أشعر بأني قادرة على ثنيهم عما هم فيه من عته وغرور. إنما أخاطب أولئك الذين يستيقظون في كل صباح ليشكوا عما تخبئه كل الطبقات الكثيفة التي نرتديها على وجوهنا من الـ "نحن على خير ما يرام". أولئك الذين ربما يقفون أمام المرآة، فيتساءلون إذا ما انطفأ النور في أعينهم على غرار الخراف الذبيحة تحت قدمي القصّاب، وكيف ومتى حدث لهم ذلك.

اعتبروا مقالتي جزءاً من حملة موسمية للتوعية من السرطان، فربما حان الوقت لأن تتلمسوا أرواحكم بحثاً عن تلك الكتلة الخبيثة. قد تكون نمت بسبب صفعة حانقة من هنا، طلاق أليم من هناك، أو تنمر مرّ آنذاك مرور الكرام لأننا لم نكن نعرف للتنمر اسماً وتعريفاً. نبّشوا عنها، تفقدّوا التغييرات التي تطرأ عليها، ولا تنتظروا تفجّر الأعراض منكم مثل من يصرون على أنهم بخير.

أعدكم، لم يفت الأوان على استئصال هذه الأسقام من أنفسنا جميعاً. وكل عام وأنتم بخير.