كوفي عنان (أرشيف)
كوفي عنان (أرشيف)
السبت 18 أغسطس 2018 / 20:55

كوفي عنان.. الرافض للغزو الأمريكي للعراق واليائس من حل في سوريا

24 - أبوظبي - وكالات

أعلنت مصادر دبلوماسية، اليوم السبت، رحيل الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان عن عمر يناهز 80 عاماً، كما أعلنت مؤسسة كوفي عنان في جنيف "ببالغ الحزن" نبأ وفاته بسلام بعد معاناة قصيرة من مرض لم يتم الكشف عنه، وقالت "إن زوجته الثانية ناني وأبناءه أما وكوجو ونينا كانوا إلى جواره في أيامه الأخيرة".

وسيذكر التاريخ لكوفي عنان، الحاصل على جائزة نوبل للسلام، أنه كرس حياته للجوانب الإنسانية، وكان عنان سابع أمين عام للأمم المتحدة، وأول أفريقي أسود يتولى المنصب وقد خدم فترتين من 1997 إلى 2006،

نشأته وعمله
ولد عنان في كوماسي في غانا عام 1938 وتلقى دراسته في كوماسي ومينيسوتا وماساتشوستس وجنيف قبل أن ينضم للأمم المتحدة عام 1962 كإداري ومسؤول ميزانية في منظمة الصحة العالمية.

وعمل في المجلس الاقتصادي الدولي في أفريقيا بأديس أبابا وقوات الطوارئ الدولية في الإسماعيلية ومكتب رئيس المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في جنيف ومقر الأمم المتحدة في نيويورك حيث ترأس عمليات حفظ السلام.

وفي عام 1997 تولى منصب الأمين العام للأمم المتحدة بعد تصميم الولايات المتحدة على عدم التجديد لبطرس غالي.

فترة تاريخية
نشأ عنان في ثقافة عانت من الانقسام العرقي في بلاده غانا وهو ما جعل للحوار قيمة فيها. لكن تلك الفترة طغت عليها مشاعر الثقة والتفاؤل مع اتجاه غانا لنيل الاستقلال عن بريطانيا.

ويذكر أنه عندما كان فريد إيكهارت متحدثاً باسم عنان وقتما كان يشغل منصب الأمين العام للأمم المتحدة قال إيكهارت لرويترز "كانت تحركه دائماً فكرة (لا تفكر في كلمة لا) كان يبحث دوماً عن النتيجة الأفضل".

صقل شهرته كوسيط نجاحه في وقف الصراع في كينيا في 2007 عندما تسبب خلاف بين مرشحين في الانتخابات الرئاسية في مذابح عرقية قتل فيها أكثر من 1200 شخص، حيث جمع عنان الطرفين في غرفة وقال لهما "هناك كينيا واحدة فقط"، وساعد في إقناع أحدهما بقبول منصب رئيس الوزراء في حكومة مشتركة، وانتهى العنف.

لكن في وقت سابق من سيرة حياة عنان، كان سجله أقل نجاحاً، فقد كان رئيساً لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في عام 1994 عندما اعترف بأنه كان يتعين فعل المزيد للحيلولة دون مقتل 800 ألف شخص في رواندا من قبليتي التوتسي والهونو.

منصب الأمين العام وجائزة نوبل
بدأ ولايته الأولى في منصب الأمين العام في الأول من يناير (كانون الأول) 1997 حيث عقب المصري بطرس غالي، المنتهية ولايته، فيما بدأت ولايته الثانية كأمين عام من الأول من يناير (كانون الثاني) 2002، حيث تم التجديد له في المنصب، ما عكس شعبيته الكبيرة في الكيان الأممي وخدم إلى 2006.

وفي عام 1999، أطلق حملة "الاتفاق العالمي"،  بصفته الأمين العام للأمم المتحدة، وهي أكبر مبادرة في العالم لتعزيز المسؤولية الاجتماعية للشركات ويعرف بالميثاق العالمي للأمم المتحدة.

وفي أبريل (نيسان) 2001، أصدر عنان "نداء للعمل" واقترح إنشاء صندوق عالمي للإيدز والصحة لمساعدة البلدان النامية على التعامل مع الأزمة، فقد اعتبر عنان وباء فيروس نقص المناعة البشرية المعروف بالإيدز "أولويته الشخصية".

وفي عام 2004 أعلنها عنان بكل وضوح في لقاء مع بي بي سي أن غزو العراق "غير قانوني"، وقد وصف عنان المرحلة التي شهدت عملية الغزو بأنها كانت "فترة محبطة".

وارتبط عنان عندما كان الأمين العام للأمم المتحدة بجهود السلام لإعادة توحيد شطري جزيرة قبرص إذ تقدم بمسودة خطة لإعادة توحيد الجزيرة لكن القبارصة اليونانيين رفضوها في استفتاء عام 2004.

وفي عام 2005، قدم تقريراً بعنوان "في حرية أكبر" إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث أوصى بمجموعة من الإصلاحات لتجديد وتقوية منظمة الأمم المتحدة.

وحصل كل من عنان والأمم المتحدة على جائزة نوبل للسلام في عام 2001 ، وذلك "لعملهما من أجل عالم أكثر تنظيماً وأكثر سلاماً".

واعتبر عنان عندما انتهى من العمل في الأمم المتحدة 2006، أن أهم ما حققه من نجاح هو "إرساء مفهوم للمسؤولية عن حماية المدنيين عندما لا يوفرها لهم قادتهم أو لا يستطيعون توفيرها لهم".

وتعد فترة عمله حافلة بالكوارث الدبلوماسية.

إراقة الدماء
وقال عنان "إن من بين أسوأ لحظاته عدم قدرته على وقف إراقة الدماء في دارفور في السودان وتفجر فضيحة النفط مقابل الغذاء وحرب العراق التي فقد صوته بعدها لعدة شهور".

انتقادات
فجرت فضيحة النفط مقابل الغذاء في 2004 عندما تبين أن الرئيس العراقي صدام حسين مارس الغش في البرنامج الذي تكلف 64 مليار دولار والذي كان الهدف منه تخفيف آثار العقوبات الدولية المؤلمة على الشعب العراقي. وفرضت العقوبات بعد الغزو العراقي للكويت.

في حين اتهم عدد قليل من مسؤولي الأمم المتحدة بالتربح ألقي اللوم على المنظمة الدولية في التراخي في كشف أساليب صدام، ورغم إعلان أن عنان لم يرتكب خطأ تبين أن ابنه كوجو استخدم إمكانيات الأمم المتحدة في خدمة مصالحه الخاصة.

ثم جاء أكثر الأحداث إيلاماً وهو تقجير مقر الأمم المتحدة في بغداد يوم 19 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2003 الذي قتل فيه 22 شخصاً.

ووقع التفجير بعد أن قرر عنان بطلب من الولايات المتحدة إعادة كبار العاملين الدوليين في المقر إلى بغداد ومن بينهم مبعوثه سيرجيو فييرا دي ميلو الذي كان أحد القتلى، وقال عنان في آخر مؤتمر صحافي له في منصب الأمين العام وقد تهدج صوته "آلمني (الحدث) مثلما تألمت تقريبا لفقد شقيقتي التوأم"، وماتت إيفوا عنان بعد صراع مع المرض في 1991.

وتعرض عنان أيضاً للانتقاد عندما كان رئيساً لعمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام بسبب إخفاق المنظمة الدولية في وقف الإبادة الجماعية التي حدثت في رواندا في التسعينيات.

لعنة التاريخ
وفي الاحتفال بعيد ميلاده الثمانين في إبريل (نيسان) الماضي دافع عنان عن دوره في رواندا وعن مسيرته وبدا وكأنه يكافح للإفلات من لعنة التاريخ، كما عبر عن الأسى لغياب القادة الأقوياء الذين يساعدون في الآزمات.

وقال "واجهتنا صعوبات في الماضي لكن في بعض الحالات كان للقيادة شأن".

واختتم عنان بالدعوة إلى التفاؤل قائلاً "أنا متفائل عنيد، ولدت متفائلاً وسأظل متفائلاً لحظة أن أفقد الأمل كل شئ يضيع، أدعوكم للتشبث بالأمل مثلي".

التقاعد والاستقالة
عارض عنان بحزم الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وفي فبراير (شباط) 2012، تم تعيين عنان كمبعوث مشترك بين الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا في محاولة للتعامل مع الصراعات الجارية هناك، لكنه استقال في أغسطس (آب) 2012 بسبب عدم وجود أي تقدم بسبب التعنت من جانب جميع الأطراف المعنية، وقال "خسرت قواتي وأنا في الطريق إلى دمشق".

العالم في حداد
وبعد خبر رحيل عنان، اليوم، توالت البرقيات من مختلف قادة العالم للإشادة بالأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، حيث عبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن ألمه للنبأ الحزين، ووصف عنان بأنه "قوة محركة للخير"، وقال "لقد كان كوفي عنان، بطرق كثيرة، الأمم المتحدة، لقد ارتقى في المراتب لقيادة المنظمة إلى الألفية الجديدة باعتزاز وتصميم لا يضاهَيان، مثل كثيرين، كنت أعتز به صديقي ومعلمي".

وعبر المفوض السامي لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين عن بالغ حزنه، وقال إن "كوفي كان مثال الإنسانية والكرامة والنبل، وفي عالم مليء الآن بقادة ليسوا من ذلك في شيء، تصبح خسارتنا وخسارة العالم أكثر إيلاماً".

وأضاف أن عنان "كان صديقاً للالاف وقائدا للملايين، هناك أناس لا بديل منهم، بشر قل مثيلهم، كوفي عنان بين الأرفع شأناً من بينهم، وداعاً يا صديقي العزيز... وداعاً كوفي".

وأعلن رئيس غانا نانا أكوفو-ادو اليوم الحداد لأسبوع وتنكيس الأعلام الوطنية في غانا والبعثات الدبلوماسية في الخارج تكريماً "لأحد مواطنينا الأعظم شأنا".

ونشرت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل على حسابها في "إنستغرام" صورة تجمعها بكوفي عنان، وأرفقتها بتعليق وصفت فيه الراحل بأنه كان "رجل دولة بارزاً في خدمة المجتمع الدولي.. سيفتقد العالم صوته".

وأضافت ميركل أن عنان كان "مثالاً ومصدراً للإلهام بفضل أفكاره ومواقفه والكاريزما" للعديد من السياسيين.

كما قال الرئيس فلاديمير بوتين إنه يشعر بأنه "محظوظ" لأنه كان على معرفة شخصية بكوفي عنان عندما كان على رأس الأمم المتحدة، مضيفاً "لقد أعجبت بكل صراحة بحكمته وشجاعته وقدرته على اتخاذ قرارات مستنيرة حتى في الظروف الأكثر تعقيداً وحرجاً،  ستظل ذكراه حية إلى الأبد في قلوب أبناء روسيا".

وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ على تويتر إن "الأمم المتحدة والعالم فقدا أحد عمالقتهما، لا ينبغي أبداً أن ننظر إلى تعاطفه على أنه ضعف، لقد أظهر عنان أن الإنسان يمكن أن يكون إنسانياً عظيماً وقائدا قوياً في الوقت نفسه".

وأشادت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي على تويتر بمن وصفته بأنه "القائد والإصلاحي الكبير الذي عرفته الأمم المتحدة، لقد كانت له مساهمة فذة في جعل العالم الذي غادره مكاناً أفضل من الذي ولد فيه".

وكتب الرئيس إيمانويل ماكرون على تويتر "لن ننسى هدوءه ونهجه الحازم، ولا روح القتال القوية التي تحلى بها".