إسرائيليون وعرب يتظاهرون ضد قانون القومية في تل أبيب.(أرشيف)
إسرائيليون وعرب يتظاهرون ضد قانون القومية في تل أبيب.(أرشيف)
الثلاثاء 21 أغسطس 2018 / 19:53

مرايا ساحة رابين

الثابت في التجاذبات الداخلية بين أوساط فلسطينيي الداخل أن هناك اتفاقاً حول جوهر ومآلات السياسة الإسرائيلية وفهماً يلتقي عند اعتبار قانون قومية الدولة محطة على طريق طويل من صراع مصيري يتطلب تجميع الطاقات

أرسلت المسيرة الحاشدة التي نظمتها الأحزاب والقوى الفلسطينية في المناطق المحتلة عام 1948 احتجاجاً على قانون قومية الدولة الاسرائيلي رسائل واضحة لترميم الوعي والممارسة السياسيين الفلسطينيين.

تعود فكرة حشد القوى الفلسطينية لجماهيرها في ميدان رابين إلى قناعة بأن القانون الذي أقره الكنيست مؤخراً لا يترك مكاناً لحياة الفلسطينيين على أرضهم التي أقيمت عليها دولة لم تتوان لحظة عن مصادرة حقوقهم وتجريدهم من هويتهم وتحويلهم إلى غرباء في بلادهم.

مرّ الوصول إلى هذه القناعة بمراحل من النضال والتجربة لاسيما وأن قانون قومية الدولة امتداد لسياسات، ولا يمكن عزله عن قوانين سابقة ويعني من بين ما يعنيه الدخول في أشكال جديدة من المواجهة بين ذهنيتين، إحداهما تتعامل مع الآخر باعتباره غير موجود رغم إقرارها الصوري بأنه مواطن اسرائيلي والثانية تطالب بالمساواة وتتمسك بهويتها وامتدادها العربي الفلسطيني.

أحد سمات المواجهة المقبلة في الداخل أنها ستكون أكثر انكشافاً وعلى قواعد مختلفة يستند أحد أطرافها لإطار قانوني يضاف إلى تراكم قوانين تستخدمها سلطة الدولة للإمعان في تحويل أصحاب الأرض الأصليين إلى أقليات غير مرئية.

والثابت في التجاذبات الداخلية بين أوساط فلسطينيي الداخل أن هناك اتفاقاً حول جوهر ومآلات السياسة الإسرائيلية وفهماً يلتقي عند اعتبار قانون قومية الدولة محطة على طريق طويل من صراع مصيري يتطلب تجميع الطاقات مما يحصر الخلاف الداخلي في طرق المواجهة ويفتح هامشاً لإبداع إشكال نضالية جديدة ولايغلق الباب أمام الالتقاء عند القواسم المشتركة.

رغم استفزازيته وخدشه للوعي الجمعي الفلسطيني لم يكن الخلاف حول التشاور مع الفصائل والقوى الفلسطينية في الضفة الغربية قبل تظاهرة ميدان رابين جوهرياً يمس الأسس التي تجمع الكل الفلسطيني في مختلف أماكن وجوده.

رفض البعض التشاور جاء نتيجة انعدام الثقة بقدرة فصائل منظمة التحرير على التفاعل مع الاحداث والاعتقاد بقلة امكانياتها وضيق هامش مناورتها في ظل التحولات التي لحقت ببنية المنظمة على مدى العقود الثلاثة الماضية وتكييفها مع إفرازات اتفاق أوسلو مثلما كيفت من قبل مع شعار الدولة الفلسطينية .

في المقابل استندت وجاهة فكرة الإصرار على التشاور مع فصائل منظمة التحرير إلى وعي بأن إفرازات قانون قومية الدولة تتجاوز الداخل الفلسطيني إلى حرمان الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم من حق الارتباط بأرضهم مما يكرس القانون وجهاً أخر لصفقة القرن ويفرض توسيع دائرة المواجهة.

تدني درجات تفاعل ما تبقى من منظمة التحرير مع تحركات قوى الداخل ـ قياساً بحماسها لإدانة صفقة القرن ـ يكرس حجج الأطراف المعترضة على فكرة التشاور ويوحي بغياب الوعي بخطورة قانون قومية الدولة وإفرازاته على القضية الفلسطينية ويظهر تحول فكرة الدولة المستقلة غير القابلة للتطبيق إلى جدار عازل آخر عن الداخل الفلسطيني حيث يكمن جوهر القضية الأم وبداياتها.

بذلك انتقلت فصائل المنظمة المشغولة بصراعاتها الداخلية ومصالحها الفئوية إلى طور آخر من أطوار العبء على الحركة الوطنية الفلسطينية وباتت بعجزها المزمن وإخفاقاتها المتلاحقة سبباً في انقسام قوى الداخل بدلاً من أن تكون شريكاً أو حتى رديفاً في مواجهة مصيرية.

وفرت مظاهرة ميدان رابين التي تعبر عن سقوط جدران الوهم الفلسطيني وما سبقها من تجاذبات وجدل وتحشيد رافعة وطنية للمتبقي من فصائل منظمة التحرير وفرصة أخرى للمراجعة تم تفويتها بقصد أو غير قصد وتترك مع خطوات تصعيدية لاحقة ستقوم بها قوى الداخل ايحاءات بأن المواجهة المقبلة مع السياسات الإسرائيلية لم تعد ممكنة بنمطيات التفكير السابقة والاساليب القائمة، ولا يخلو الأمر من ضرورة لتجسير أشكال أخرى من العلاقة بين الفلسطينيين في الداخل والضفة والقطاع ومناطق الشتات وبذل جهد أكبر لاستيعاب صدمتي الوعي المتلاحقتين "صفقة القرن" و"قومية الدولة" توطئة للعودة إلى الفهم الذي يتناسب مع ما تمليه مقتضيات مواجهة خطوات إسرائيلية لاتخرج عن دائرة اقصاء وتهميش الفلسطيني أينما وجد وتصدير الأزمات إلى المحيط.