أفغان في إقليم هلمند الخاضعة لحكم طالبان منذ 2016.(أرشيف)
أفغان في إقليم هلمند الخاضعة لحكم طالبان منذ 2016.(أرشيف)
الثلاثاء 18 سبتمبر 2018 / 13:59

طالبان تسعى لغسل ماضيها.. هل ينسى الأفغان المذابح؟

عند زيارتها لبلدة شارخ في أفغانستان، ومتابعتها كيفية تحكم طالبان بشؤون السكان مع توفير الخدمات الأساسية لهم، أدركت آشلي جاكسون، باحثة في معهد التنمية الخارجية، ومرشحة لنيل الدكتوراه من كينغز كوليدج في لندن، كيف عملت الحركة على كسب ود سكان البلدة.

ما بدأ كاعتراف تدريجي بأن العنف اللامحدود يضر بمصلحة طالبان في كسب التأييد الشعبي، قد نما وتطور إلى شكل من الحكم يشمل إدارة مدارس وعيادات ومحاكم، وجمع ضرائب، وسواها

 ووصفت جاكسون بلدة شارخ، ضمن مقالتها في موقع "فورين بوليسي"، بأنها تبدو كسائر المناطق الريفية الأفغانية، وحيث لا تتوافر مشاريع تنموية أو صناعية مهمة، ويكسب معظم سكانها، 48,000 فرداً، عيشهم من الزراعة. كما ينتشر الفقر بين الناس هناك، ومن يجدون فرص عمل أفضل في أي مكان آخر، يهجرون البلدة، ومن ثم يرسلون مساعدات مالية إلى عائلاتهم.

تباين
لكن عند النظر عن قرب إلى شارخ يتبين مقدار تباين الحال عما قد يجده المرء في منطقة أفغانية عادية. هناك ينظر للعاملين في الشأن العام باعتبارهم نزيهون وصادقون، ما يجعلهم مميزين في بلد يصنف ضمن أشد المناطق فساداً في العالم. ويقول السكان إن الجرائم قليلة بشكل ملحوظ، والخلافات بين الجيران أو العائلات نادرة، وسرعان ما يسويها حاكم البلدة آو قاضيها. ويشرف مسؤول طبي على مراقبة العيادات للتأكد من تواجد الأطباء والممرضين، ومن توفير الأدوية. وأما ضمن مدارس البلدة، فقد اعتاد مدرسون تابعون للحكومة على الحضور، ونسبة الدوام بين الطلاب مرتفعة، خلافاً لحالات التغيب في مدارس أفغانية أخرى.

نموذج
وتقول الكاتبة إن شارخ قد تعد، من الناحية النظرية، دليلاً واضحاً على كيفية نجاح حكومة الرئيس أشرف غاني المدعومة أمريكياً، في تطبيق شكل من الحكم النزيه بعيداً عن العاصمة كابول.

لكن في حقيقة الأمر، ووفقاً للكاتبة، ليس للحكومة الأفغانية فضل في تحسين مستوى الخدمات في شارخ، بل إن طالبان هي من تحكم البلدة حالياً. وقد عينت الحركة عمدة البلدة وقاضيها الوحيد، وموظفين عاديين، كمدرسين ومسؤولين عن الصحة العامة، رغم مواصلة كابول دفع رواتبهم.

خروج عن السيطرة

ورغم مضاعفة عدد القوات الأمريكية، وكثرة عدد الغارات الجوية خلال العام الماضي، ما زالت حركة طالبان تبسط نفوذها على مساحات واسعة من الريف الأفغاني، ويعمل قادتها على الخروج عن سيطرة حكومة الوحدة الوطنية بقيادة غاني المعترف بها دولياً. كما إن فكرة سعي طالبان لتوفير شكل من الحكم النزيه، قد تعتبر فكرة ساذجة بالنظر لحكم الحركة الوحشي من عام 1996- 2001. فقد منعت الحركة، طوال تلك السنين، النساء من التعلم والعمل، وأعدمت عشاقاً في ملاعب رياضية. ومنذ خلع الحركة فـي 2001، نفذت هجمات وحشية أدت إلى مقتل عشرات الآلاف من الأفغان. وكما جرى حتى عام 2009، واصلت الحركة قتل معلمين وإحراق كتب مدرسية، ومهاجمة عمال إغاثة.
  
استراتيجية جديدة
ولكن، في الوقت الحالي، تعمل حركة طالبان على تقديم نفسها كحركة سياسية مشروعة قادرة على توفير خدمات وإدارة البلاد. وفي ظل انسحاب قوات أمريكية وأفغانية لحماية مدن كبرى، تطبيقاً لاستراتيجية أمريكية جديدة، تملأ طالبان الفراغ، ولم تعد مجرد حركة تمرد غامضة، بل أشبه بحكومة تمارس مهامها بعيداً عن سلطة كابول.

تحول محيّر
وتقول كاتبة المقال إنه من أجل فهم التحول المحيّر لطالبان، لا بد من العودة إلى عام 2014 عند انسحاب آلاف من القوات الدولية ما شكل لقادة الحركة مخاطر وفرصاً في آن معاً. وبعد كل ذلك، واجهت طالبان الظروف نفسها. ولكن هذه المرة، وبدلاً من مهاجمة مدارس عامة ومشاريع إغاثة، أدرك قادة الحركة أنهم قد يحققون المزيد من أهدافهم عبر التعاون مع تلك المؤسسات. وهكذا يعود لهم الفضل في توفير خدمات أساسية، وفي كسب ود السكان.

وتشير الكاتبة إلى ما بدأ كاعتراف تدريجي بأن العنف اللامحدود يضر بمصلحة طالبان في كسب التأييد الشعبي، قد نما وتطور إلى شكل من الحكم يشمل إدارة مدارس وعيادات ومحاكم، وجمع ضرائب، وسواها.

وإلى ذلك، بدأ قادة طالبان في توقيع اتفاقيات هدنة مع جنود أفغان لتخفيف حدة الصراع. وأخذ جنود أفغان يحرسون نقاط تفتيش في النهار، مع تسلم عناصر من طالبان نفس المواقع لممارسة مهام الحراسة طوال الليل. وقد أدى ذلك التحول في استراتيجية طالبان لخلق حالة عيش مشترك سلمي نسبياً بين الحركة المتمردة والحكومة في مناطق شهدت أشد أعمال العنف في أفغانستان.