طفل سوري على دراجة هوائية في الغوطة الشرقية (أرشيف)
طفل سوري على دراجة هوائية في الغوطة الشرقية (أرشيف)
الأربعاء 19 سبتمبر 2018 / 14:21

كيف يمكن لواشنطن منع داعش من العودة إلى سوريا؟

وجد الباحث غير المقيم في معهد تحرير لسياسات الشرق الأوسط حسن حسن، نقاطاً مشتركة عرفها الحروب التي شهدها العراق وسوريا، الأمر الذي سينعكس على مصير التطرف والإرهاب في المنطقة.

لحسن الحظ تملك أمريكا ورقة مهمة بيدها وهي وجودها في الشرق. من هناك، يمكنها المساعدة في إنشاء هيئة حاكمة تتمتع ببعض الاستقلالية عن دمشق

وكتب في مجلة "ذي أتلانتيك" الأمريكية أن الحرب الأهلية في سوريا تبدو أقرب من مرحلتها الأخيرة، وإذا هُزم الثوار فإن مظالمهم مستمرة. قُتل مئات الآلاف منهم على يد الحكومة وحلفائها في أغلب الأوقات، وهُجر ونزح الملايين.

إن نهاية الثورة سمحت للجهاديين المتحالفين مع داعش والقاعدة بالاستفادة مما تبقى منها. وإذا كان التاريخ دليلاً في هذا المجال، فإن الجهاديين سيستغلون الوضع الهش وسيختارون مقاومة الأسد رمزاً للقمع، قبل أن يقيموا مركزاً دائماً في المنطقة.

بعد أربع سنوات من احتلال العراق في 2003، حافظت مجموعات مسلحة ذات خلفيات أيديولوجية متنوعة على مقاومة مستميتة ضد القوات الأمريكية حتى بدا في مرحلة من المراحل، أن الولايات المتحدة على وشك خسارة الحرب.

بدأ الوضع يتغير بين 2007 و 2008 بفضل خطة مكافحة التمرد التي وضعها الجنرال دايفد بترايوس. وفي إحدى الفترات، رأى عدد من السنة أن الأمريكيين شركاء لهم وسيمكنونهم من السيطرة على مناطقهم باستقلالية فيتفادون الرجوع في شؤونهم إلى حكومة بغداد التي يسيطر عليها الشيعة.
 
استطاع الطرفان معاً تحويل العراق إلى مكان أكثر أمناً. لكن واشنطن لم تحل المشاكل العميقة التي غذت الصراع ضد الجنود الأمريكيين وحكومة بغداد.

أين أخطأ الأمريكيون؟

لم تعمل الولايات المتحدة على الدفع نحو اندماج القوى السنية في الدولة العراقية أو ضمان ما يشبه الحكم الذاتي. على العكس ، وقفت واشنطن جانباً حين كانت بغداد تضرب المجتمعات السنية لتفادي ما رأته تهديداً للسيطرة الشيعية. تغذى الجهاديون على الوهم السني ونهضوا من تحت الرماد.

بحلول صيف 2014، تمكن تنظيم القاعدة في العراق الذي تحول لاحقاً إلى داعش، من تقديم نفسه على أنه المعارضة المقاتلة الحقيقية لحكومة بغداد. سيطر داعش على ثلث العراق بينما لم يكن له أن يتمكن من ذلك بالقوة العسكرية وحدها.

لقد نما بسرعة لأن القوة الأمريكية لم تنجح إلا في تغيير مسار طاقة المتمردين، دون أن تحل شكاويهم. واستفاد داعش فعلاً مما يمكن أن يُسمى طاقة التمرد الكامنة. في سوريا قد يكون هنالك مسار مشابه قيد الإعداد.

أين نجح الروس؟
في أوائل 2015، بدا أن الأسد والإيرانيين قد يخسرون الحرب. سيطر الثوار على معظم البلاد وكانوا يتجهون إلى معاقل قوات الأسد في غرب سوريا. عندها تدخل بوتين وشن الروس حملة جوية بلا هوادة وتعاونوا على الأرض مع قوى محلية معارضة للنظام إضافة إلى داعميها الإقليميين.

وبدأت تركيا تتعامل عن كثب مع روسيا لإعادة رسم الخريطة السياسية والعسكرية في سوريا. مع الوقت، تحولت الثورة السورية من تيار شامل يحركه النفس الثوري، إلى فوضى مرتبطة بالمصالح الأجنبية.

نجح الروس في تقسيم الثوار ونشروا الفوضى في صفوفهم. من هنا، استسلم الثوار في درعا للروس  دون قتال كبير رغم أعدادهم الكبيرة وأسلحتهم الثقيلة. انهاروا من الداخل بفضل مزج الروس بين القوة العسكرية والديبلوماسية.

آلية عمل الجهاديين

بحسب ما أظهرته التجربة العراقية، إن نهاية التمرد تساعد العناصر الأكثر تطرفاً. لقد احتكر داعش العنف السياسي بين سنة العراق ولم يعد بحاجة للتنافس على النفوذ والتجنيد مع خصومه العنيفين السابقين.

هنالك مؤشرات على أن الجهاديين المرتبطين بداعش والقاعدة في سوريا يتموضعون بطريقة جيدة. لا تزال هنالك بدائل محلية لهذه المجموعات الإرهابية لكن لم يعد باستطاعتها تقديم رسالة مقاومة متجانسة.

إن خسارة بعض القوى المعارضة هي ربح صافٍ للجهاديين. وبغض النظر عن الأمنيات، لم ينته النزاع في سوريا بعد. فثلث سوريا خارج سيطرة النظام ، وتحت النفوذ التركي في الشمال الغربي، والحماية الأمريكية في الشرق.

وكما حصل في العراق، فإن مكاسب النظام تبدو مؤقتة في وجود قوس من الأراضي التي لا يمكنه تأمينها على الأرجح. وأصبح تنظيما القاعدة وداعش آخر من يتبقى في تلك المناطق البعيدة ولن يكون صعباً عليهما استغلال موارد بشرية ومادية لقتال ديكتاتورية خبيثة، وغير شعبية إلى حد بعيد تسيطر عليها طائفة مدعومة من إيران، وللفوز بمعركة التجنيد، سيحتاجان فقط إلى إقناع الغاضبين بأنهم الخيار المعارض الوحيد الباقي ضد الحكومة.

أخطأوا مجدداً
يؤكد حسن أنه إذا لم ينتهي الغبن، فإن حركات التمرد لن تختفي ببساطة، ويمكن أن تظل نائمة لسنوات أو عقود قبل أن تستيقظ مجدداً كما حصل حين قضى حافظ الأسد على حركات التمرد الإسلامية في السبعينات والثمانينات وقتل بين 10 إلى 30 ألفاً قبل أن تتحرك مجدداً ضد ابنه.

فجبهة النصرة، وأحرار الشام، وحركة نور الدين زنكي، وفيلق الشام، يمكن اعتبارها الوريثة الأيديولوجية للتمرد الإسلامي القديم.

حتى اليوم، ارتكبت واشنطن أخطاء ديبلوماسية وعسكرية يمكن أن تساعد الجهاديين ليرثوا الثورة. لقد وضعت إدارة ترامب حدوداً لعملياتها في شرق سوريا، وسمحت لشمالها بالابتعاد عن رادارها بالكامل وأعطت جنوب البلاد للروس. وأصبح الشمال مقراً لاثنين من أخطر فروع القاعدة فيما يضع داعش أنظاره على الجنوب.

 الورقة الاخيرة
لتفوز واشنطن ضد المتطرفين على المدى القصير والبعيد، عليها توسيع نفوذها لا تضييقه. وأضاف حسن أنه لحسن الحظ تملك أمريكا ورقة مهمة بيدها: وجودها في الشرق.

ومن هناك، يمكنها المساعدة في إنشاء هيئة حاكمة تتمتع ببعض الاستقلالية عن دمشق. ويجب على الولايات المتحدة الموافقة على مغادرة سوريا بعد تحقيق تسوية سياسية ذات معنى تعترف بالسلطة المحلية، ولذلك عليها العمل مع الأوروبيين لإحياء مسار جنيف.

تشعر واشنطن بتعب من الشرق الأوسط لكن الانتصار الظاهر غير جيد بما فيه الكفاية، وخيار الأمريكيين اليوم واضح: التخلص من المشاكل التي أطلقت التطرف، أو معاودة شن حرب، ضد الجهاديين في المستقبل.