الجمعة 7 مارس 2014 / 10:32

عصفور فكّر في الطيران

١-
هل ثارت الشعوب التي مدحها الغرب حين اتهمها بصناعة الربيع، أم أن هذه الشعوب قامت بالثأر من صمتها الطويل، أم أن ما فعلته كان مجرد تفكير في الثورة؟

يحضر سؤال الحلم والواقع .

ها نحن في السنة الرابعة من عمر ما سماه الغرب الأوروبي "الربيع العربي"؟

لا سبيل إلى العودة إلى الوراء كما أن الندم لا يفيد في شيء ولا يقدم .

ولا مناص من قبول الأمر كما وقع، فالثورة قامت قيامتها أمام الجميع والفوضى صارت هي النظام.

والتلفزيونات فتحت شهية المواطن الجائع إلى الحرية، ولكنه لم يجد الوقت الكافي للقول إنه جائع للخبز أيضاً، إنها ثورة الكرامة، وكرامته تمنعه من الحديث في الأشياء التي كانت تصنف تافهة.

والمعامل أغلقت والبطالة انتشرت وزادت نسبتها في مجتمع يعيش عالة على الغير ولا يأكل مما ينتج، ولا ثروات له يمكن ان يعول عليها.

والسوق تكدست فيه السلع المهربة ولكنه أصبح لا يطاق من حيث ارتفاع مواد المعاش الأولية، مما جعل الطبقة الوسطى تتزحلق ببطء سريع نحو الفقر.

وصار المواطن الذي كان يبحث طامعاً في عودة الأموال التي هربها المخلوعون إلى خارج الوطن، صار هذا المواطن يسأل خائفاً عن الأموال السياسية الداخلة إلى أحزاب الوطن.

والشرطي الذي كان يتجسس على المواطن، صار هذا الشرطي نفسه يغمض عينيه ويفتح أذنين تسمعان ما كان يهم أمن الوطن وأمن الدولة، وصار بعض من رجال الشرطة يرى أنه هو الدولة، وصار لا يبحث إلا عن أمنه الخاص.

والسياحة خسرت روادها إلا من بعض المغامرين الذين يعتبرون السياحة مغامرة وجودية، فمن الممكن أن يلقوا حتفهم بصورة اعتباطية وعبثية، وهم راضون بالقسمة والنصيب.

أما حال الثقافة فإن وزارتها وهبت جزءاً من ميزانيتها المالية إلى وزارة الشؤون الدينية!!! والمثقفون والكتاب لم تتحسن وضعياتهم ولكنهم ظلوا ينتجون على حسابهم كتباً ويمولون أفلامهم ويقيمون معارض الرسم دون مساندة من أحد، لقد كان التخريب المنهجي الذي "أنجزته "حكومات جاءت بها انتخابات الثورة مسألة على غاية من الخطورة، ولا يمكن تحديد مقدار التشويه الذي ألحق بالمجتمع من خلال التعيينات الفئوية ومفاصل الدولة رغم قصر المدة التي شغلوها في الحكم الإداري.

٢-
كل شيء قابل للتأويل، بما في ذلك ما حدث منذ أزيد من 3 سنوات في بلدان الربيع التي انتهت بزهور الدم الحمراء، وهي تتدفق باسم الثورة هذه المرة :

هل يمكن للتفاؤل أن ينبت في أرض يغزو الجهل شبابها ويسعى القائمون على "الثورة" وكأنه مشروع يستوجب الحراسة والحماية.
ولقد كان الإخوان يتصورون أن الله مكنهم في الأرض من الحكم وما كانوا يحلمون بأن يحكموا لو لم ترد لهم سيناريوهات جهات خارجية أن يفوزوا في الانتخابات ولو بفوارق بسيطة في الأصوات، ألم يقل راشد الغنوشي القائد الإخواني التونسي: "كنا نحلم بدكان صغير نعرض فيه بضاعتنا فأهدانا الله السوق كله"، ويعد هذا القول ترجمة للواقع الذي تردوا فيه إلى الواقع الذي صاروا عليها بعملية لا تشبه الواقع قدر شبهها بالخيال والفانتازيا السياسية ، فماذا كان يدور في عقل المهندسين الذين أرادوا أن يحكموا إلى يوم القيامة، لأنهم اعتبروا أنفسهم سفراء الله، وكم يحلو لهم أن يقولوا إنهم قدموا الكثير وأعطوا الغالي والنفيس وضحوا دون أن يطلب أحد منهم ذلك، فلم يشكر الشعب سعيهم بل سعى هذا الشعب إلى طردهم من الحكم بعد أن استنفد كل مؤونة الصبر لديه .

أليس الشعب المصري هو صاحب جائزة أيوب للصبر.

٣-
لا شيء يشير إلى أن الأمور ستعود بسرعة إلى دائرة الحلم الأول، وأن أمل الشباب الذي عاد إلى حاسوبه يحصي هزائمه أو يلخصها في مثل شعبي من نوع "طلع من المولد بلا حمص" فلا الشغل الذي نادى به قد تحقق ولا الحرية التي نادى بها كانت ذات جدوى، وها هو التونسي يقول في فخر واعتزاز : نحن أنجزنا الثورة والبوعزيزي أحرق نفسه ثم لا يلبث أن يستدرك ليقول بنبرة يأس وانكسار: ولكن ماذا فعلنا؟ خربنا الدنيا على أنفسنا وعلى العالم .فهل قمنا حقاً بالثورة أم أن ما صنعناه كان مجرد وهم وقبض ريح؟.

٤-
إن المشروع الذي لا يكبر هو مشروع يضمر ويصغر ويمضي في طريق التلاشي، وها هو مشروع الربيع يتقدم في عامه الرابع ونسبة الضمور وضياع البوصلة القائدة هي التي تقود كل هذا المشروع الذي لا يكف رغم كل شيء عن انتاج أمل غامض في غد أجمل .

٥-
هل قام الشباب بالثورة أم شًبًه له أنه حلم بالقيام بها والنهوض بأحلامها الكبيرة؟

كل هذا يحيلنا على اللغز التالي :

خمسة عصافير على الشجرة من بينها عصفور واحد فكر وقرر أن يطير، فكم تبقى فوق غصن الشجرة ؟.

لم يتغير عدد العصافير ، وذلك ان العصفور الخامس فكّر في الطيران ولكن لم يًطِرْ.