الجمعة 13 يونيو 2014 / 00:30

سنودن وسراب الخصوصية على الإنترنت


قبل عام بدأت حقبة تاريخية جديدة في عالم الشبكات، فجرها وشكلها وبلورها موظف وكالة الأمن القومي السابق إدوارد جوزيف سنودن، هذا المواطن الأمريكي "البطل" كما يلقبه كثيرون، الذي قلب الموازيين وفتح الباب أمام سراديب مكنونة لأسرار ووثائق لمعلومات وبيانات غاية في السرية زلزلت وقارعت جبروت أكبر دولة عظمى، قوض بها هيكلية المخابرات الأمريكية، وسمم الأواصر والعلاقات الأمريكية الخارجية ومصالحها بحلفائها، وأجج التوترات بينها وبين خصومها، بعدما أظهر الولايات المتحدة على حقيقتها، أفقدها هيبتها وزعزع مكانتها أمام العالم أجمع. هذه التسريبات اعتبرها المحللون من أهم أحداث عام 2013، فهي أثبتت كيف ينقلب سحر تكنولوجيا المعلومات على الساحر الأمريكي.

مما لا شك فيه أن الكيان الأمني الأمريكي يسعى إلى تحقيق أهدافه عن طريق التجسس والتنصت وتحليل كل ما يسمعه أو يقرأه أو يراه، لكن لم يكن متصوراً للمثقفين والعقلاء أن يكون هذا النهج بهذا الحجم، إلى أن جاءت قنابل المحلل الأمني "فاضح أسرار أمريكا" لتفجر الحقيقة أمام أنظار الجميع الذيت تفتحت عيونهم على الجانب المظلم من التكنولوجيا التي باتت تُهيمن على حياتنا بشكل يصعب الاستغناء عنه، وهذا في حد ذاته أحد أهداف السياسة الأمريكية، إيهام العالم بأن الإنترنت فضاءً رقمي عالمي رحب يسع الجميع دون ضوابط أو رقابة، لكن الأمر يتعلق بكيانات متشابكة من الصعب أن تفلت منها.

تسريبات سنودن التي خرجت للعيان قبل عام، أحدثت أزمة انعدام ثقة كبيرة لدى مستخدمي الإنتزنت ، خاصة من لهم حسابات شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي وكبرى المؤسسات والشركات العاملة في مجال التقنية والتي بينت الوثائق تواطؤها وتورطها في اللعبة "القذرة" التي حاكتها الولايات المتحدة ضد أكثر من 35 دولة، ما أثار جدلاً لا يزال قائماً حول حرية الإنترنت التي باتت "زائفة" و"غائبة" بعدما أصبحت الشبكة العنكبوتية خاضعة لكيانات تُهيمن عليها حكومات وأجهزتها التي تمسك في أيديها زمام أمور العالم، استناداً إلى من يمتلك أكثر فهو يتحكم أكثر، والولايات المتحدة لديها من التطور التكنولوجي والاقتصادي والعسكري ما يجعلها أشبه بالآمر الناهي.

وأصبح التجسس الإلكتروني يندرج ضمن "السياسات العليا للدول" حيث قفزت الجريمة الإلكترونية إلى صدارة التهديد الأمني الاستراتيجي للدول، وظهر ذلك جلياً خلال العام الماضي ولازلنا نرى ذلك حتى وقتنا الراهن، فهي صناعة متنامية مزدهرة لاسيما في ظل انتشار مقوماتها وتعزيز دعائهما المتمثلة في شبكات التواصل الاجتماعي وخدمات التخزين السحابية وتطبيقات الدردشة وغيرها، وعلى الصعيد العالمي، وصل حجم الخسائر الناجمة عن عمليات القرصنة الاليكترونية 445 مليار دولار، حسب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية "سي إس آي إس".

من ضمن الشركات الكبرى المتورطة في عمليات التجسس غوغل وياهو ومايكروسوفت وفيس بوك وغيرها عبر مراكز بياناتهم وخدماتهم المتصلة بـ"NSA"، ما أربك شركات التكنولوجيا الأمريكية التي لا تزال تواجه تداعيات تسريبات سنودن حتى الآن، ما دفعها نحو البحث عن وسائل ومبادرات وحلول جديدة جدية تتعلق بالخصوصية والأمان، أملاً في استعادة ثقة عملائها ومستخدميها وطمأنتهم، وكذلك التكيف مع التحول الجذري الذي تشهده صناعة التكنولوجيا في ظل شكوك ومخاوف الطامحين في العثور على حرية الإنترنت وإن كانت افتراضية، والتي لطالما صعب أو استحال إيجادها على أرض الواقع.

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو كيف وأين نحفظ ونسجل معلوماتنا وبياناتنا وأفكارنا وحواراتنا؟ طالما كل نفس وحركة ومعلومة وخاطرة مراقبة، في الوقت الذي تسعى فيه كبرى الشركات مثل غوغل وفيس بوك لإيصال الإنترنت إلى جميع سكان العالم بحلول عام 2020، فما المغزى من وراء ذلك؟