الأحد 10 مارس 2013 / 16:20

أميرة السلطان 2

المرة الماضية، قصصت عليكم مراحل الانضمام إلى عضوية نادي المتزوجين، والتي لا تخلو من المفاجآت والتعقيدات، وهنا سأسرد لكم المرحلة الأصعب من مراحل الدخول على عالم الزواج، وهي شر من الشرور، أقصد شرط من الشروط الذي لا بد منه.

تحضيرات الزواج وتكاليفها لم تكن مشتركة بين الطرفين "كما تمنيت"، فأنا من سيتكفل بدفع كل ما هو مطلوب للعرس، ولا علاقة لي براتب العروس التي لا علم لي إلى أين يذهب وفيما يصرف!

برزت في ذاكرتي تلك الكتب التي قرأتها عن عادات الزواج بالنسبة للشعوب المختلفة، وكأن الكتّاب والصحفيين يهدفون إلى إضحاكنا فيما يكتبون، فقد كتب أنه في الهند تدفع الفتاة كل مهرها، والعريس يتكفل فقط بالذهب والمجوهرات، ويدفع شعب الماساي في أواسط أفريقيا الشرقية مهور الفتيات بعدد الأبقار، أو يتقاسم اليابانيون كل متطلبات الزفاف بين الرجل والمرأة "مناصفة"، أما عندنا فيتكفل العريس بكل شيء، وكل شيء هنا أعني به مئات الآلاف من الدراهم، أليست هذه معلومة غريبة بالنسبة لغير العرب؟!

أمسكت برقبة قلمي الضعيف بكل ما أوتيت من قوة، أكتب متطلبات زفافي الميمون، مدوناً طلباتهم "الضرورية"، والموضوع لم يكن في إطار الزفاف ومتطلباته فحسب، بل تعدى إلى ابتكار أفكار ومقترحات لم تخطر حتى في بال المتسابقين في برنامج "آراب جوت تالينت"، وإن عرضت هذه الأفكار والمتطلبات على "دكتور فيل" لترك الاستشارات النفسية حينها وتفرغ لفتح مكتب خدمات أفراح في الإمارات!

يجب علي أن أهدأ قليلا، لكي أرتب أوراقي وأعرف ما أريد فعله، من الضروري أن أحجز قاعة لمن سأدعوهم لحفل الزفاف، بل هي قاعتان، واحدة للرجال وأخرى للسيدات، "لأ"، هي أربعة قاعات، اثنتان للزفاف واثنتان لحفل الخطوبة، في الحقيقة أحتاج لحجز ستة قاعات، لأنني سأضيف حفلة "الحنا" إلى جدول مسلسل الحفلات! لم أقف مذهولا إلى هذا الحد، بل الصاعقة أتت على رأسي حينما أحصيت عدد "المعزومين" الذين يشكلون "جيشا"، لكن ليس ببزات عسكرية، بل بثياب أنيقة.

لم تبدأ المسرحية بعد، فمهر العروس ليس إلا جزء بسيط من "حقها"، عرس الخمسة نجوم لا بد أن يكون في قاعات وفنادق الخمسة نجوم، والفستان مرصع بالكريستال ،الذي تباع نسخة منه في السوق الصيني، ليس إلا مظهر للتفاخر أمام الملأ أجمعين، والذهب يجب أن يكون "خصوصي" ومن الخارج، أما الاكسسوارات فعليها أن تكون على الموضة، حتى لو كانت هذه الموضة تشابه ما تتزين به نساء زامبيا، ولم أستغرب حينها أكثر من معرفتي بسعر باقة الوردة التي ستمسك بها العروس على "الكوشة"، فهي تكلف أكثر من سعر تأمين سيارة جديدة "شامل الركاب"، فهل يا ترى يسقون تلك الورود بماء زمزم؟ أم أنها زرعت في تربة جلبوها من سطح القمر؟

كل مرحلة من مراحل تجهيز "الفرح" تجعلني أعتذر من داخلي على كل اللوم الذي ألقيه على شرطة المرور، لكونهم زرعوا الرادارات بجانب الأرصفة والشوارع، فتلكم المخالفات لا تضاهي شيئا مقابل ما يدفع لبطاقات الأفراح هذه الأيام، ولم تعد البطاقة عبارة عن ورقة أنيقة فيها معلومات ودعوة، ولكنها "تغيرت" وأمست صندوقا أو تمثالا أو لوحة فنية، وكنت على وشك أن أختبر إبداع المصممين حينما أردت أن أسأله إن كان لديه بطاقة على شكل مصباح سحري يخرج منه المارد العظيم ويقرأ دعوة العريس لعرسه!

كندوره، غتره، عقال، بشت، قحفية، نعال "الله يعزكم"، وكان الله غفورا رحيماً، هذا ما كنت أحتاج إليه في عرسي حينما أصعد كالفارس المنتصر على منصة الكوشة، وإذا أردت أن "أكشخ" فليس لي سوى "محي الدين الحلاق" الذي أتردد عنده منذ أن كنت في أول روضة، ويعرف كيف هي قصة شعري وكيف أريد أن تكون هيئة لحيتي، ولن يضيف على وجهي أي شيء آخر، أما عن تحضيرات وهيئة ملكة الكوشة فهي بلا نهاية، ويتطلب الكثير كما لم أتوقع، ولا يسعني الثرثرة عن الصالونات والمكياج والتسريحة لقلة خبرتي في هذا المجال "العميق"، حيث أنه من الصعوبة أن تجد صالون نسائي يرضي كل أذواق النساء، ويجب أن أشهد بأن أصعب ما يكون هو أن تعرف ما يدور بخلد العروس حينها لكي تظهر أجمل من باقي البنات في عرسها.

"الشحططه"، تذكرت هذه الكلمة حينما كتبتها في المرة السابقة، هل تتذكرونها؟ أجل، لم أوفق إلى الآن أن أكمل نصف ديني على الطريقة التي يريدها المجتمع، وبعيداً عن الواقع المرير فأنا أسرد لكم جزءا من هذه الحكاية من وحي "خيالي الواقعي" كمن لبس "بشت" عرسه كل يوم، وهي حكاية معظم المستجدين لعالم العرس والزواج.

من وجهة نظري، "أميرة السلطان" ستظل أميرة معززة مكرّمة، سواء بمئات الملايين من الدراهم أم بما تيسر لدى من يطلب الحلال على سنة الله العزيز ونبيه الكريم، الوضع لن يتم مثل ما هو للأبد، وما أخشاه هو أن تتجه صعوبات الزواج إلى واد ليس له نهاية مضيئة، واللوم حينها يقع على عاتقنا كجيل واع ومتعلم في أن نزيح هذا الكابوس من قلوب المعاريس.