الأحد 3 أغسطس 2014 / 16:17

غاندي في غزة!






لسنا في حاجة لمعرفة ما يحدث في فلسطين اليوم، وتحديداً في غزة، فقد عايشته الأجيال تلو الأخرى منذ 1948، فتربة الأرض هناك معجونة بدم الشهداء، آباء وأجداد وأخوة ونساء وأطفال، الذي يواصلون الصمود حول أكناف بيت المقدس، والذين هم في رباط إلى يوم الدين. 

لكن ما نحن في حاجة ماسة لمعرفته، على المستوى النظري على الأقل، هو التصدي للإخلال بالعهود من طرف الاحتلال الإسرائيلي، ومن المجتمع الدولي، من ذلك على سبيل المثال، الهدنة الإنسانية التي تعلنها إسرائيل بالساعات ثم تخترقها، بل إنها أحياناً تعتبر بمثابة فخ لاصطياد عدد أكبر من المدنيين، ولا حل لهذه المسألة إلا بتوقف هذه الحرب القذرة، أو بإعادة تفسير العهود انطلاقاً من حكمة" المهاتما غاندي" التي جاءت في كتابه" قصة تجاربي مع الحقيقة".

يقول غاندي: "تفسير العهود كان، ولا يزال، مصدراً خصباً من مصادر النزاع في طول العالم وعرضه، فمهما يكن العهد واضحاً جليّاً، فإن الناس يريدونه ليلائم أغراضهم الخاصة، ونحن نقع على هؤلاء في مختلف طبقات المجتمع، ابتداء من الغني إلى الفقير، ومن الأمير إلى الفلاح".

لماذا يريد الناس من العهود أن تلائم أغراضهم الخاصة، مع أن المفروض أن تلائم ما هو متفق عليه، وما هو لصالح الأطراف المتصارعة أو المتعاونة؟

يجيبنا غاندي بقوله: "إن الأنانية تعميهم، ومن طريق اصطناع الوسط الغامض يخدعون أنفسهم، ويسعون إلى خداع العالم والله".

فما الحل لتفادي النكث بالعهود، وتفادي الحروب مثل التي تقع الآن في غزة؟

الحل في نظر غاندي لقبول التفسير المعتمد من الأطراف المتصارعة، هو اعتماد قاعدتين، لخصهما في قوله "إن من القواعد الذهبية قبول التفسير الذي وضعه، بإخلاص، الفريق الذي استصدره، وقاعدة ذهبية أخرى هي قبول التفسير الأضعف حين يكون ثمة تفسيران للنص الواحد".

لكن ماذا لو لجأ كل طرف لتفسير خاص به، ورفض القاعدتين السابقتين؟

يقول غاندي: "التنكر لهاتين القاعدتين يؤدي إلى نشوء النزاع والجور، وكلاهما عميق الجذور في الكذب والخداع.. إن الذي يسعى إلى سبيل الحقيقة وحدها قادر على اتباع القاعدتين الذهبيتين في سهولة ويسر.. إنه في غير حاجة إلى استشارة أهل العلم والتماس التفسير عندهم".

وكذلك الحال في غزة اليوم، فكل الأطراف ليست في حاجة إلى استشارة مجلس الأمن لإقرار هدنة، وتوقيف بحور الدماء، ولا حتى إبداء الحسرة، وأحياناً الألم على عبثية الحياة في غزة لتفسير ما تراه اليوم، والشعب الفلسطيني يغرق في أوحال السياسة والمصالح الدولية، إنما هي في حاجة عاجلة للالتزام بالعهود والمواثيق الخاصة بالحروب.

وعلى فرض أن الفلسطينيين هم الطرف الأضعف، فإن العالم كله ـ حسب رؤية غاندي ـ مطالب بقبول تفسيرهم للهدنة، وقبلها الاعتراف بمطالبهم المشروعة، أقلها رفع الحصار الذي تعيشه غزة منذ سبع سنوات عجاف. وثانياً اعتماد الهدنة، أو الوصول إلى اتفاق انطلاقاً من فهم الجهات التي أصدرت المواثيق والنصوص، وبالمقابل رفض ما تسعى إليه إسرائيل، التي تتحايل على المواثيق والعهود الدولية.

ربما نحتاج إلى غاندي في غزة، عله يوقف جريمة الإبادة الجماعية هناك، عل فلسفته في العهود تبعد السابحين في بحر الدم الفلسطيني.