الخميس 14 أغسطس 2014 / 09:28

أسفار القتل


توارثت أجيال عديدة أفكاراً مركزية للتكفير، بزغت كنتاج لتعاط خاطئ، لفقهاء قدامى مع النص الديني. واحد من أشهر جامعي أفكار التكفير، وصائغيها ، ناقد مهزوم في دنيا الأدب بل الحياة عموماً، هو "سيد قطب"، دونها في كتابه "معالم في الطريق"؛ وهذه الأفكار مثل "الحاكمية"، "الطليعة المؤمنة"، "التعالي بالإيمان"، "حتمية قتال الطاغوت"، كانت سنداً دينياً فيما بعد لتنظيمات قتل تضم شباباً محبطاً.

وعلى تراث قطب، أضاف آخرون أسفاراً تعزز من التكفير، بل تدرجت في مستوياته واختلفت في تبريره، هل هو لمجرد المعصية؟ وهل يشترك المجتمع في الكفر أم يقتصر على الحكام؟ أم يخرج من الملة من لا ينضم لجماعة بعينها؟

تنوعت السطور والأسماء، من محمد عبد السلام فرج، لعمر عبد الرحمن، وانسحبت أسس التكفير لتنغرس في العقول عبر خطب ونصوص، ومواد مسموعة.

لكن التحول الأخطر في أسفار القتل كان مع خلط التكفير بالعسكرة، فدون منظرو الإرهاب استراتيجيات تخطط لدماء مستقبلية، وتربط بين الجماعات المتفرقة عابرة الحدود، بل تدمج بين نظريات الحرب الأكاديمية وأبعاد عقائدية تريح القلب بعد الذبح، وتشحذ الوجدان للبربرية.

وهنا ظهرت نصوص جحيمية أكثر تطوراً "كالعمدة في إعداد العدة" لسيد إمام أو موسوعة الجهاد للمجاهدين في أفغانستان أو كتابات التكفيري أبوعبيدة وغيره.

من طبعات الجحيم الخالطة بين التكفير والعسكرة، نص لتكفيري يحمل اسماً كودياً هو أبو بكر ناجي، وتشير بعض التقديرات أنه المصري سيف العدل، القائد الشهير بتنظيم القاعدة، والبعض الآخر يؤكد أنه المصري محمد الحكايمة لكن آراء تقول إنه شخصية وهمية، الكتاب معنون "بإدارة التوحش" ولخطورة النص عممته معظم أجهزة الاستخبارات كمرشد لفهم القتل الأصولي.

يركز النص على 3 استراتيجيات متدرجة؛ هي "النكاية والشوكة" وهي ممارسة أكبر قدر من الرعب والتخويف والقتل في مناطق يعتبرها التكفيريون تحت حكم الطغاة، ووفق قاعدة في الفقه الجهادي ترى في هدم البادية والحضر خير من وقوع الأرض تحت سيطرة من يعتبرونه طاغوتاً، فيتم حرق الأخضر واليابس، وتتنوع طرق الاستنزاف، وتفتح جبهات متنوعة، لتستنزف جهود الجيوش، وتزيد تكلفة المواجهة، وإذا سيطرت على منطقة، تحولت إلى المرحلة الثانية وهي "إدارة التوحش" وتعني السيطرة على منطقة وفرض حكم التكفيريين فيها، من تعليم وقضاء وسيطرة على موارد مثلما يجري في الموصل، ثم جعلها منطلقاً "لنكاية" منطقة أخرى، حتى تدين كل المناطق وعندئذ تبدأ دولة التمكين.

ولكي تتم استراتيجية "إدارة التوحش" يتطلب الأمر فوضى، ومن ثم تناسب الأماكن التي شهدت للتو، زوالاً لحكم لم يملأ فراغه بديل بعد، وبالتالي فمناطق الربيع العربي، ومن قبلها العراق الخارجة من الاحتلال أماكن نموذجية للتطبيق.

والخطورة الإضافية للنص السابق لم تعد فقط في تبني التكفيريين القدامى سطور "إدارة التوحش"، بل في صعود واضح في خطاب التكفير لبعض شباب الإخوان في مصر، وتماس ظاهر مع فوضى داعش وأنصار بيت المقدس والنظر لهما بعين التشجيع، فظهرت تصريحات مؤيدة للدواعش من داخل الإخوان، كالقيادي أحمد المغير، وعبد الرحمن عز، وغيرهم، بل تلمحه في مواقع التواصل الاجتماعي، أو بيانات التحريض المنشورة على صفحاتهم.

وفيما لا تزال نزعة التكفير خجولة داخل الجماعة إلا أن صراع الإخوان مع الدولة المصرية اتخذ ملامح استراتيجية النكاية الداعشية، بالهجوم على جبهات متعددة، وزرع القنابل في المرافق، وأبراج الاتصالات، ومحطات المترو، وإثارة الهلع للمدنيين في مصر.

وإزاء رواج نصوص القتل التكفيري المعسكر، في ظل التوتر السياسي والإحباط العام، تقول التجارب إن الحل السحري يكمن في نصوص موازية، تفند أسفار الجحيم، وتهدم أسسه، يتولى تدوينها تكفيريون سابقون، مروا بالتجربة، كي لا يقفز التكفير من داخل داعش، إلى المجال العام.

وتفكيك الأسفار هنا بالفكر ينزع شظايا من مفخخين محتملين، لا يزالون خارج سياق الجماعات الأصولية إلى الآن، كل مؤهلاتهم جرعة إحباط وعاطفة دينية جياشة بفهم خاطئ، ودول فاشلة في استيعاب طموحاتهم نحو الرفاه والحرية.