الجمعة 17 أكتوبر 2014 / 15:25

خسائر ميشال عون



تكشف تصريحات رئيس "التيار الوطني الحر" اللبناني، النائب ميشال عون ما يزيد عن إحباط آماله بالوصول إلى رئاسة الجمهورية ليصل إلى حدود الاعتراف بالفشل الكامل لمشروعه السياسي برمته، من نظرته إلى ما يجب أن يكون عليه مستقبل لبنان وصولاً إلى مصير المنطقة.

في الخطاب الذي ألقاه عون في ذكرى اقتحام الجيش السوري للقصر الجمهوري في 13 أكتوبر (تشرين الاول) 1990، نقاط كررها عون في أكثر من مناسبة ونقاط أخرى جديدة تتعلق بمسار الصراع السياسي الداخلي والشلل الذي أصاب المؤسسات الدستورية في البلاد. وينضح الخطاب بمفردات التشاؤم والخيبة، لكنه لا يخلو من التصورات ذاتها عن "صحة التمثيل المسيحي" ودعواته السابقة إلى انتخاب رئيس جمهورية من الشعب مباشرة وانتقاد "من انتقلوا من وصاية إلى وصاية" قاصداً بذلك خضومه في تحالف 14 آذار.

لكن فلنتوقف قليلاً عند المناسبة. فالذكرى تشير إلى تاريخ تلقي رئيس الحكومة العسكرية وقائد الجيش يومها ضربة ساحقة من القوات السورية التي حصلت قياداتها على غطاء دولي لإزاحة ميشال عون المعارض لاتفاق الطائف الذي جرى التوصل إليه قبل عام في المملكة العربية السعودية، والبدء بتنفيذ الاتفاق. كان عون قد انخرط في "حرب إلغاء" ضد "القوات اللبنانية" بزعامة سمير جعجع ما أدى إلى تدمير مرتكزات القوة عند المسيحيين وساهم في تسهيل وضع حافظ الأسد يده على لبنان والتحكم به وبتفاصيل شؤونه السياسية والاقتصادية وحتى التعليمية.

هزيمة وحدات الجيش اللبناني التي كانت موالية لعون أسفرت عن مقتل مئات الجنود واعتقال آخرين وتوقيف عشرات الضباط وإرسالهم إلى السجون السورية ونهب القصر الجمهوري ووزارة الدفاع التي صودر أرشيفها وأرشيف مديرية المخابرات فيها.

وكانت هذه العملية ذروة العداء بين النظام السوري وبين عون الذي كان شن حرباً سماها "حرب التحرير" على القوات السورية في لبنان.

كل هذا لم يحل دون أن يحتفل عون وانصاره بالذكرى السنوية لهذه الكارثة. وفي الاحتفالات التي لم تعد تشير الكلمات التي تلقى فيها منذ عودة عون إلى بيروت في 2005 إلى الحرب السابقة مع الجيش السوري، موقف "عربي" من الهزيمة إذا صح التعبير. خلاصته أن الهزيمة بذاتها ليست مهمة ما دام الزعيم أو الحزب القائد أو "النظام التقدمي" قد أفلح في النجاة، على ما كان يردد أتباع حزب البعث في سوريا بعد حرب 1967، وعلى ما رأى الناصريون رغم خسارة مصر الآلاف من جنودها وتحطيم صورة جمال عبد الناصر الأسطورية (الذي، مع ذلك، كان الأكثر إحساساً بحجم الهزيمة فقدم استقالته ثم عاد عنها).

وثمة فارق شاسع بين إحياء ذكرى من سقط في تلك الحرب والاستفادة من دروسها، وبين إقامة المهرجانات وإلقاء الخطب بلهجة تتحدى من يفترض بهم أن يكونوا مع عون في السعي إلى التخلص من بقايا الوصاية السورية على لبنان.

بالعودة إلى الكلمة التي ألقاها رئيس التيار الوطني في ذكرى هزيمته، وتحديداً إلى نقطة "صحة التمثيل المسيحي". يمكن هنا القول أن عون إما لا يدرك الحقائق البديهية للديموغرافيا اللبنانية (وهي صانعة السياسات في لبنان منذ تبني النظام الطائفي قبل عقود) بحيث لا يستطيع رؤية الاختلال الهائل في التناسب بين أعداد المسيحيين والمسلمين . ومكرر بات الكلام عن أن المناصفة التي حددها اتفاق الطائف رمت إلى تقديم ضمانات سياسية للمسيحيين وليست انعكاساً لأي إحصاء سكاني، وأن الفشل في وصول "أصحاب التمثيل الحقيقي" من المسيحيين يعود إلى الوصاية السورية السابقة وإلى تناحر الزعامات المسيحية وفهمها الصبياني لمعاني السياسة والدولة.

ومن هذا الفهم جاءت نظرية تحالف الأقليات التي زج بها عون نفسه وتياره واضعاً مصيره ومصير من يمثل من المسيحيين بيد حليفيه "حزب الله" ونظام بشار الأسد، وطارحاً نفسه خصماً لدوداً لشرائح واسعة من اللبنانيين، ومتجاهلاً خطورة التغييرات التي تجري في المنطقة على مستقبل المسيحيين الذين يزعم حمايتهم والنطق بلسانهم.

وجرياً على عادة عربية راسخة، يأسف عون على "الخسارة الكبرى" التي نزلت بالمسيحيين بسبب عدم انتخابه رئيسا للجمهورية. من جهة ثانية يمكن القول إن الخسائر التي ألحقها عون بالمسيحيين منذ أطل على المشهد السياسي أواخر ثمانينات القرن الماضي لم تترك لهم ما يمكن أن يخسروه فوق ما خسروا. لكن العتب على النظر، كما يقال.