الجمعة 10 أبريل 2015 / 20:33

السراب| السـرورية والإخوان المسلمون

أصدر مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية الدكتور جمال سند السويدي، مؤخراً كتاب "السراب"، وتتمحور فكرته الأساسية حول "السراب السياسي" الذي يترتب على الوهم الذي تسوقه الجماعات الدينية السياسية لشعوب العالمين العربي والإسلامي.

الإخوان المسلمون جماعة سياسية تسعى بالأساس إلى الحكم ولم تترك فرصة لتحقيق ذلك إلا واستغلتها

الخلاف بين السـرورية والإخوان المسلمين يتمحور حول النظرة للمفاهيم الحركية المرتبطة بالحاكمية وكيفية تحقيقها على أرض الواقع

تتفق السـرورية مع الإخوان المسلمين في قبول العملية السياسية درءاً لفتنة أكبر وأعظم كما يعتقدون

ويكشف الكتاب، عبر فصوله السبعة، حجم التضارب القائم بين فكر الجماعات الدينية السياسية وواقع التطور الحاصل في النظم السياسية والدولية المعاصرة، خاصة فيما يتعلق بمسألة التنافر بين واقع الأوطان والدول وسيادتها القانونية والدولية من ناحية، ومفهوم الخلافة الذي تتبناه هذه الجماعات من ناحية ثانية، كما يكشف هذا الكتاب علاقة الترابط الفكرية القائمة بين جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات المتطرفة التي ولدت في مجملها من رحم هذه الجماعة، وفي مقدمتها القاعدة وداعش.

24 ينفرد بنشر كتاب "السراب" على حلقات:

الحلقة 25

الباب الثاني: حالات تطبيقية

الفصل الخامس| السـروريون

سادساً: السـرورية والإخوان المسلمون
لقد أشـرت سابقاً إلى أن محمد بن سـرور كان منتمياً إلى جماعة الإخوان المسلمين، وتربى فكرياً في كنفها لسنوات، ولكنه بعد الانشقاق عنها عام 1969م انحاز إلى جماعة عصام العطار (جماعة دمشق) التي كانت تميل إلى أولوية الجهاد، وهو ما كان يعتقده أيضاً محمد بن سـرور، حيث كان يرى أن الإخوان المسلمين أهملوا هذا الفرض الديني، في حين أن بعض الدول العربية والإسلامية واقعة تحت الاحتلال. ومع تزايد اهتمامه بقضايا العقائد، خاصة بعد إقامته في المملكة العربية السعودية حيث تسود أفكار المنهج السلفي، وتحديداً التقليدي منه، فقد تعمقت لدى سـرور قناعاته باختلاف منهج الإخوان المسلمين، بل وابتعادهم أو إهمالهم لجانب العقائد، ومن ثم تخليهم عن منهج السلف الصالح في التبليغ والدعوة. ومن هنا وجد محمد بن سـرور طريقه الثالث، الذي يختلف عن الإخوان المسلمين في قضايا جوهرية كما يختلف أيضاً عن السلفية التقليدية. ومن هنا، فقد كانت بعض خلافات محمد بن سـرور مع الإخوان المسلمين سبباً رئيسياً في نشأة المنهج الجديد، ومن ثم أصبح هذا المنهج مختلفاً عن منهج الإخوان المسلمين في قضايا جوهرية.



تنطلق السـرورية في الأساس من تكفير الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله، وإن كانت لا تطلق أحكاماً على أسماء بعينها، بينما لا يعلن الإخوان المسلمون ذلك، بل يتعاملون مع هؤلاء الحكام ويشاركونهم أحياناً السياسة والسلطة. وكما أرى فإن هذا التباين في هذه النقطة عائد بالأساس إلى أن جماعة الإخوان المسلمين هي جماعة سياسية ساعية إلى الحكم بالدرجة الأولى ومن ثم فلم تترك فرصة لذلك إلا واستغلتها، فضلاً عن "تقية" الإخوان المسلمين السياسية، وإخفاء نظرتهم الحقيقية لأنظمة الحكم لتفادي تكرار تجارب الصدام التاريخية التي أفضت جميعها إلى ملاحقة الجماعة وأعضائها قضائياً وأمنياً وحظرت أنشطتها في كثير من الأحيان.

ومن أهم مظاهر التباين بين السـروريين والإخوان المسلمين أيضاً، الاختلاف في المراجع النظرية المنهجية المعتمدة لدى الفريقين، فبينما يعتمد كلا الجانبين - على سبيل المثال - على تفسير "في ظلال القرآن" لسيد قطب، في مجال التفسير، خاصة عند استخراج المفاهيم الحركية والفكرية والسياسية، فإنهم يختلفون في مرجعية السيرة النبوية، خاصة في البعد الحركي فيها، حيث لم يروا أن كتب التفسير التي يعتمد عليها الإخوان المسلمون في تربيتهم تعكس الفهم الحقيقي للسنة أو لدلالاتها الحقيقية، خاصة فيما يتعلق بالمفاهيم الحركية. ولعل هذا ما دفع محمد بن سـرور إلى تأليف كتابه الخاص بعنوان دراسات في السيرة النبوية بأسلوب حركي، يتم من خلاله تنشئة الأتباع والأنصار فكرياً، فالخلافات الظاهرية بين السـروريين والإخوان المسلمين تتمحور ليس فقط حول أمور العقيدة، أو ماهية منهج السلف الصالح، وإنما تدور أيضاً حول نظرة الطرفين للمفاهيم الحركية المرتبطة بموضوع الحاكمية، وكيفية تحقيقها أو تنزيلها على أرض الـواقـع.



وقد أدت الاختلافات بين السـرورية والإخوان المسلمين إلى مواجهة فكرية حقيقية على أرض الواقع، وربما يصفها بعض المراقبين بالصـراع الذي كانت ساحته المساجد والأندية الطلابية والمراكز الصيفية، وانتخابات المجالس البلدية في فترة لاحقة، بل وصل الصـراع إلى حد تبادل الاتهامات، وربما أحياناً السعي لتشويه صورة الآخر، وقد كان لهذا الأمر تأثير كبير في وجود الإخوان المسلمين في المملكة العربية السعودية، حيث أتاحت البيئة السلفية بطبيعتها المجال لانتشار السـرورية، ولكن كان ذلك في كثير من الأحيان على حساب انتشار الإخوان المسلمين الذين لم يكن من الممكن لهم إعلان أنفسهم كما كان أنصار محمد بن سـرور يفعلـون.

ومع ذلك فإن هناك تشابهاً فكرياً بين التيارين، فكلاهما يبتعد عن الصوفية، بل ويربي أتباعه على عدم الاهتمام بمن يعتبر لديهما من أهل الأهواء مثل الجهمية والمعتزلة، وبدلاً من ذلك يوجه التياران أعضاءهما وأتباعهما إلى التفرغ للتربية الفردية والروحية والتنظيمية. ومع تغير نظرة السـرورية إزاء قضية الحكم أو المشاركة في السياسة أو التعامل مع نظم الحكم القائمة، وعلى الرغم من تبنيها مبدأ تكفير النظم التي لا تحكم بما أنزل الله، فإنها تتفق مع الإخوان المسلمين - وإن جاء ذلك في مرحلة متأخرة - في ضـرورة المشاركة في العملية السياسية القائمة في بعض البلاد العربية والإسلامية، وهذا هو الأمر الجدير بالاهتمام، درءاً كما يعتقدون لفتنة أكبر وأعظم. ولذلك سعى التيار السـروري مؤخراً إلى تأسيس أحزاب سياسية للمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، كما حدث في دولة الكويت بمشاركتهم في انتخابات مجلس الأمة عام 2008م، والتي لم يتمكنوا من الفوز بأي مقعد فيها، وكذلك مشاركتهم في الانتخابات البلدية في المملكة العربية السعودية عام 2011م، وتحقيقهم بعض المكاسب فيها.

سابعاً: السـرورية والدعوة السلفية
نظراً إلى أن أحد أهم دوافع سـرور للانشقاق عن جماعة الإخوان المسلمين كان اتهامه لها بالابتعاد عن منهج السلف الصالح، بالإضافة إلى التساهل أو المبالغة في موالاة الحكام، فلا عجب أن يعتبر السـروريون أنفسهم سلفيين في الأصل، بل ويرفضون أي تسمية أخرى، بما فيها اسم السـرورية أو حتى السلفية الحركية، ويرون أنها مسميات اخترعها معارضوهم وتداولها الإعلام، لذلك فهم يرون أنفسهم أتباعاً للسلف الصالح ولمنهج الأنبياء في الدعوة. وهناك من يرى أن الفكر السـروري يتميز بإضافة البعد السياسـي الحركي للفكر السلفي التقليدي، ما جعل السـرورية تبدو وكأنها حركة مواءمة بين ما هو إخواني وما هو سلفي. وبرغم ذلك، فإن هناك منتمين إلى التيار السلفي قد تخلوا عن ثوابتهم الفكرية واتجهوا إلى الانخراط في العمل السياسـي، كما هي الحال في دول مثل جمهورية مصـر العربية وغيرها، وبالتالي فلم يعد البعد السياسـي سمة مميزة للتيار السـروري، ولا سيما أن الخيوط التي تفصل الجماعات الدينية السياسية تكاد تتلاشـى في كثير من الأحيان، وليس أدل على ذلك من أن الإخوان المسلمين يعتبرون أنفسهم سلفيي الفكر والتوجه، حيث سبق أن أشار حسن البنا في رسائله إلى أن دعوته دعوة سلفية.



وبرغم ما سبق، فإن ثمة اختلافاً واضحاً بيّناً وفروقاً جلية بين السـروريين والتيار السلفي في عمومه، فالسلفيون من أتباع دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب يرون، على سبيل المثال، في المملكة العربية السعودية بلاد توحيد تحكم بما أنزل الله، وهي تكاد تكون الدولة الوحيدة في العالم التي تطبق ما يطالب به السـروريون أنفسهم من الحدود وأحكام الإسلام في العديد من المجالات الحياتية، بينما يرى السـروريون أنه لا يوجد بلد قائم الآن يحكم بما أنزل الله، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، حيث نشأ التيار واحْتُضن.

ومن الناحية الفكرية، نجد أن هناك فرقاً جوهرياً في فهم مدلول التوحيد نفسه، فبينما يرى السلفيون أن مدلول الشهادة بأن لا إله إلا الله يعني أنه لا معبود بحق سوى الله سبحانه وتعالى، ويحرصون على محاربة الشـرك أياً كان شكله أو مصدره، فإن السـروريين يضيفون إلى مفهوم الشهادة عنصـراً آخر هو الحاكمية؛ أي إن الحكم لله وحده، وعليه فلا يجوز إصدار أي تشـريع ليس مصدره القرآن الكريم والسنة النبوية الشـريفة. ويرتبط بهذا التصور أيضاً أن السلفيين يرون وجوب طاعة ولي الأمر وعدم الخروج عليه، بينما يرى السـروريون جواز الخروج على الحاكم المسلم الذي لا يحكم بالشـريعة. ومن هنا تظهر الضبابية والغموض في الفهم والطرح، حتى يصبح من الصعب بلورة وصف دقيق لمنهجية التيار السـروري والتعرف إلى مدى قربه أو بُعده عن أي تيار من التيارات المناظرة كالإخوان المسلمين والسلفيين التقليديين أو حتى الحركيين الجهاديين.