الأحد 12 أبريل 2015 / 23:20

السراب| التنظيمات الجهادية: القاعدة

أصدر مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية الدكتور جمال سند السويدي، مؤخراً كتاب "السراب"، وتتمحور فكرته الأساسية حول "السراب السياسي" الذي يترتب على الوهم الذي تسوقه الجماعات الدينية السياسية لشعوب العالمين العربي والإسلامي.

استغلت التنظيمات الجهادية المتشددة الظروف التنموية الصعبة وما تفرزه من معاناة وإشكاليات معيشية في اختراق الطبقات الفقيرة من أجل استقطاب أفرادها ونشـر الأفكار المتشددة

ركـزت الجماعـة الإسلاميـة أنشطتها على السعـي لتغيـير مـا عدتـه منكرات بالقوة

ويكشف الكتاب، عبر فصوله السبعة، حجم التضارب القائم بين فكر الجماعات الدينية السياسية وواقع التطور الحاصل في النظم السياسية والدولية المعاصرة، خاصة فيما يتعلق بمسألة التنافر بين واقع الأوطان والدول وسيادتها القانونية والدولية من ناحية، ومفهوم الخلافة الذي تتبناه هذه الجماعات من ناحية ثانية، كما يكشف هذا الكتاب علاقة الترابط الفكرية القائمة بين جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات المتطرفة التي ولدت في مجملها من رحم هذه الجماعة، وفي مقدمتها القاعدة وداعش.

24 ينفرد بنشر كتاب "السراب" على حلقات:

الحلقة 27

الباب الثاني: حالات تطبيقية

الفصل السادس| الجماعات الدينية السياسية: التنظيمات الجهادية

ارتبط تنظيم القاعدة في نشأته بالتيار الجهادي السلفي، الذي كان قد برز في منتصف السبعينيات من القرن الماضـي. وكانت حرب 1967م نقطة تحول في تاريخ الجماعات الدينية السياسية، حيث -كما ذكرت سابقاً- استغلت تلك الجماعات هزيمة العرب على يد إسـرائيل في الترويج لفكرتها القائلة إن مشكلة الدول العربية تكمن في التخلي عن القيم والمبادئ الدينية. والعامل الآخر الذي أسهم في صعود الجماعات الدينية السياسية بما فيها التيار المتشدد داخل هذه الجماعات، هو السياسة التي اتبعها الرئيس المصـري الأسبق محمد أنور السادات بين عامي 1970م و1974م التي كانت تقوم على احتضان الجماعات الدينية السياسية ودعمها، حيث منحها الرئيس السادات الفرصة لتنظيم صفوفها والتمدد مجتمعياً بهدف تقليل نفوذ الجماعات الاشتراكية اليسارية التي ارتبطت بفترة حكم سلفه الرئيس الأسبق جمال عبدالناصـر. وهناك عامل آخر، هو الوضع الاقتصادي في جمهورية مصـر العربية الذي أسهم بشكل ما في تعزيز قوة التنظيمات الجهادية المتشددة وفعاليتها، حيث كان الاقتصاد يعاني مشكلات معقدة؛ مثل زيادة السكان، وقلة فرص العمل، وانعدام التخطيط، وديون خارجية بلغت قيمتها نحو 47.6 مليار دولار مع بداية عام 1990م، بالإضافة إلى وجود أكثر من 20 مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر. وقد استغلت التنظيمات الجهادية المتشددة هذه الظروف التنموية الصعبة وما تفرزه من معاناة وإشكاليات معيشية في اختراق الطبقات الفقيرة من أجل استقطاب أفرادها ونشـر الأفكار المتشددة، كما تسللت أفكار هذه التنظيمات أيضاً إلى الشـريحة الطلابية التي تملك بعضها اليأس بسبب عدم وجود أفق لمستقبلهم وأقنعتهم بضـرورة استخدام العنف وسيلة لتحقيق الأهداف، وانتزاع السلطة بالقوة من الحكومات، وأن ذلك سوف يؤدي في نهاية المطاف إلى إصلاح المجتمع. وترى العديد من الكتابات أن فكر تنظيم القاعدة في جوهره هو الفكر الجهادي، الذي يستلهم أطروحات منظِّر الإخوان المسلمين سيد قطب، الذي وضع الأسس النظرية لفكرتي "الحاكمية" (الحكم لله ولا يجوز إعلاء القوانين الوضعية عليه)، و"الجاهلية" (المجتمع المسلم يعيش في جاهلية لعدم تطبيقه حكم الإسلام). وهي أفكار يؤمن بها من ينتمي إلى تنظيم القاعدة، وغيره من التنظيمات الدينية المسلحة.



من جانب آخر، أعطى قيام الثورة الإسلامية الإيرانية الشيعية عام 1979م، وإعلان قيام نظام حكم ديني في إيران زخماً كبيراً للتنظيمات الجهادية. وبالإضافة إلى ذلك، فقد شكل الغزو السوفيتي لجمهورية أفغانستان الإسلامية في عام 1979م مناسبة للجماعات الدينية السياسية لإطلاق مرحلة الجهاد الأفغاني؛ ما مهّد بعد ذلك لتشكيل بدايات تنظيم القاعدة، الذي أخذ في التوسع والنمو والتطور.

ويهدف هذا الفصل من الكتاب إلى دراسة نماذج من التنظيمات الجهادية المتشددة، حيث يتعرض في البداية لتنظيم القاعدة ضمن محاور عدة: أولها يناقش نشأة تنظيم القاعدة وتطوره، فيما يركز المحور الثاني على الخلافات والانشقاقات داخل القاعدة، وهي انشقاقات تصب في الإطار الداخلي للتنظيمات الجهادية الأخرى، ولا تعني انشقاقات للفكاك من هذا الفكر المتشدد، بل ربما يتجه بعض المنشقين إلى تأسيس تنظيمات أشد تطرفاً مما هو قائم، وفي المحور الثالث من هذا الفصل، يتم بحث موقف تنظيم القاعدة من الأحداث التي جرت منذ عام 2011م، حيث يبدو تعرف هذا الموقف مهماً لفهم نظرة التنظيم إلى المشاركة السياسية بشكل عام، ومدى اقترابه أو ابتعاده عن الفكر السلفي التقليدي في هذا الشأن، وأخيراً يسلط المحور الرابع الضوء على آليات العمل الإعلامي في تنظيم القاعدة، بحكم أن الإعلام يعتبر ذراعاً تعبوية مهمة للتنظيم، سواء على مستوى نشـر الأفكار والحشد والاستقطاب التنظيمي أو على مستوى التواصل والدعاية للتنظيم ومحاولة كسب الدعم النفسـي لعناصـره عبر الترويج للعمليات التي ينفذها.

وفي الجزء الثاني من هذا الفصل تتم مناقشة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من حيث النشأة التاريخية والأسس الفكرية والتباينات بينه وبين التنظيم المركزي (القاعدة) وأسباب هذه التباينات وموقعها في الفكر الحركي وتأثيراتها في آليات عمل التنظيم وخططه التنفيذية.

أولاً: تنظيم القاعدة

النشـأة
هناك مجموعة من الآراء العديدة والمتباينة التي تفسـر كيفية نشأة تنظيم القاعدة، وقد يرجع السبب في هذا التعدد، إلى ظروف نشأة التنظيم وتعدد الأفكار والمدارس التي ارتبطت باسمه، وتنقّل قادته بين أكثر من دولة (جمهورية أفغانستان الإسلامية، والمملكة العربية السعودية، وجمهورية مصـر العربية، والجمهورية اليمنية، وجمهورية السودان، وغيرها)، مع تعدد الأصول الفكرية التي تبناها التنظيم. ويمكن في هذا الشأن الحديث عن الآراء الآتية:

الرأي الأول، يرى أن تنظيم القاعدة في جذوره حركة أصولية إسلامية (متعددة الجنسيات)، تأسست لمحاربة الشيوعيين إبان الغزو السوفيتي لجمهورية أفغانستان، حيث شجعت الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول العربية والإسلامية الحرب ضد القوات السوفيتية هناك؛ لأنها كانت تنظر إلى الصـراع الدائر في جمهورية أفغانستان وقتذاك، على أنه حالة من التوسع والعدوان السوفيتي، يهدد المصالح الأمريكية والغربية في الخليج العربي، ومنطقة وسط آسيا. وعليه فقد مولت الولايات المتحدة الأمريكية، بالتنسيق مع المخابرات الباكستانية وبعض الدول العربية، المجاهدين الأفغان الذين كانوا يقاتلون الاحتلال السوفيتي.

الرأي الثاني، ينسب تأسيس القاعدة إلى فكر السلفية الجهادية، وهو مصطلح أطلق منذ نهاية الثمانينيات على بعض جماعات الإسلام السياسـي، التي تتبنى الجهاد أو العنف منهجاً للتغيير وتكفر المجتمع، وتميل إلى استخدام القوة. ويمكن القول إن السلفية الجهادية مثلت نقطة التواصل بين الجماعات والتنظيمات الجهادية المختلفة، لتعلن انضمامها إلى تنظيم القاعدة فيما بعد، مثل انضمام أبي مصعب الزرقاوي وتنظيمه في جمهورية العراق إلى القاعدة، وتنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، الذي تحول اسمه إلى تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي.



الرأي الثالث، يرى أنه من الخطأ نسبة تنظيم القاعدة إلى التيار الجهادي السلفي، فتنظيم القاعدة لا منهج له، وقد ألّف بعض منظري القاعدة مثل عبدالله يوسف عزام كتباً منها في الجهاد آداب وأحكام وبشائر النصـر، ويستعين التنظيم كذلك بكتب محسوبة على التيار الجهادي السلفي في أمور فقهية معينة تخدم أهدافه. ويرى هذا الرأي أن تنظيم القاعدة صار مرتبطاً بشخص لا بمنهج، فقد أصـر مؤسس تنظيم القاعدة وزعيمه آنذاك أسامة بن لادن، على عدم وضع منهج للتنظيم لتكون له مساحة واسعة من الحرية في تغيير الأهداف والتحالفات والخطط، وصار أتباعه مرتبطين بشخصه ينفذون ما يراه. وغالبية أتباع تنظيم القاعدة هم سعوديون ويمنيون وباكستانيون ومصـريون، كما أن للقاعدة ارتباطاً وتنسيقاً مع تنظيمات وجماعات إسلامية في دول مختلفة.

ووفقاً لهذا الرأي فإن تنظيم القاعدة يشترك ويرتبط مع السلفية الجهادية، بمجموعة من الروافد الفكرية مثل: فتاوى الإمام أحمد بن تيمية، والعديد من أفكار الإمام محمد بن عبدالوهاب، والعديد من الأفكار التي طرحها سيد قطب، وأبو الأعلى المودودي حول الحاكمية، وفتاوى أخرى عن تحريم الاحتكام إلى القوانين الوضعية، وتكفير من يحكم بها في العالَمين العربي والإسلامي.

السلفية والقاعدة
وبرغم ما سبق، فإن هناك آراء تفصل بين القاعدة والسلفية الجهادية وتستند في ذلك إلى تراجع بعض ممثلي السلفية الجهادية عن بعض أطروحاتهم بشكل كلي أو جزئي، ومنها على سبيل المثال تراجع "الدكتور فضل" وهو السيد إمام بن عبدالعزيز الشـريف، أمير جماعة الجهاد سابقاً (1987-1993م) الذي اعتقل في الجمهورية اليمنية ورُحّل إلى جمهورية مصـر العربية عام 2004م، وقام بالعديد من المراجعات الفكرية، وقد ألف كتاب العمدة في إعداد العدة الشهير الذي يمثل مرجعاً أساسياً لأبناء التيار السلفي الجهادي وأنصاره، وكذلك كتاب الجامع في طلب العلم، (تزيد عدد صفحاته على ألف صفحة)، وهما كتابان اعتُمدا كمرجعية في حلقات تنظيم القاعدة، ويعدان من أبرز أدبياتها.



وقد اتهم إمام الشـريف تنظيم القاعدة، بتحريف كتاب الجامع في طلب العلم، واختصاره بما يخل بفحوى الكتاب. وعلى الرغم من أنه انقطع حركياً سنوات طويلة عن السلفية الجهادية، فإنّ الشـريف لا يزال بالنسبة إلى أنصار التيار أحد أبرز المنظّرين والرموز. كما قام الدكتور فضل بمراجعة دشنها في كتابه وثيقة ترشيد الجهاد نشـرت في أواخر عام 2007م.

المقدسي
وهناك مراجعة أخرى، قام بها عاصم طاهر البرقاوي، الذي يلقب بـ "أبي محمد المقدسـي" وهو أردني من أصل فلسطيني، وقد قامت السلطات الأردنية باعتقاله مرات عدة، ويعتبر من أبرز منظري تيار "السلفية الجهادية" وكان أستاذاً لأبي مصعب الزرقاوي، عندما جمعهما السجن في المملكة الأردنية الهاشمية. وقد سافر المقدسـي إلى جمهورية أفغانستان الإسلامية مرات عدة، وتعرف هناك إلى رموز عديدين من التيار السلفي الجهادي، ومنهم أيمن الظواهري وغيره. وقد ألّف أبو محمد المقدسـي كتابه ملة إبراهيم، في جمهورية أفغانستان الإسلامية الذي كان أول مؤلفاته ذات النزعة السلفية الأصولية. كما قام بمراجعات جزئية في كتابه وقفات مع ثمرات الجهاد.



وما ذهب إليه بعض الباحثين، هو أنه بعد تلك المراجعات والاختزالات، بدأ تأثير القيادات الجهادية للقاعدة وحضورهم وفي مقدمتهم - بالطبع - أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، ليصبح مصدراً وحيداً للتوجهات الجديدة والمستمرة، وإن استلهم فكر السلفية الجهادية.

يعلق أحد الباحثين على دور تلك المراجعات في مرحلة من المراحل وأثرها في العلاقة بين القاعدة والسلفية الجهادية بقوله:
إن هذه المراجعات تكشف مستوى الصـراع الشديد اليوم داخل تيار "السلفية الجهادية"، بالتحديد بين "القاعدة" التي تمثل الوجه الحالي والقيادة الجديدة للتيار والقيادات التاريخية التي أسست المسار الأولي للسلفية الجهادية، بصورة خاصة في مصـر من خلال خلايا تنظيم "الجهاد" ومن ثم "الجماعة الإسلامية".

وقد تأسست "الجماعة الإسلامية" في جمهورية مصـر العربية أوائل سبعينيات القرن الماضـي على يد صلاح هاشم بجامعة أسيوط، وكان لها أتباع في معظم الجامعات المصـرية، وحملت في بدايتها اسم الجماعة الدينية. وضمت الجماعة بين مؤسسيها أسماء برزت لاحقاً على ساحة الصـراع بين السلطة والجماعات الدينية السياسية في جمهورية مصـر العربية، مثل أبي العلا ماضـي وكرم زهدي وعبدالمنعم أبو الفتوح وعاصم عبدالماجد وأسامة حافـظ وآخريـن. كما شهدت الجماعة الإسلامية في عام 1977م حركة انتقالات من عضويتها إلى جماعة الإخوان المسلمين، وضمت تلك الحركة من أصبحوا في مرحلة تاريخية تالية من رموز جماعة الإخوان المسلمين، مثل عصام العريان وعبدالمنعم أبو الفتوح وحلمي الجزار وأبي العلا ماضـي، الذي انشق فيما بعد عن الإخوان المسلمين وأسس حزب الوسط بحكم قضائي في فبراير 2011م. ثم عاد وتحالف مع جماعة الإخوان المسلمين بعد وصول الرئيس الأسبق الدكتور محمد مرسـي إلى الحكم، متخلياً بذلك عن مقولاته وشعاراته، بل وبرنامجه ومواقفه المعلنة قبل أحداث 25 يناير 2011م.



التغيير بالقوة
 وركـزت الجماعـة الإسلاميـة أنشطتها على السعـي لتغيـير مـا عدتـه - حينـذاك - منكرات بالقوة داخل الحرم الجامعي، مثل الحفلات الموسيقية والغنائية وغير ذلك من أنشطة طلابية، فيما عبرت عن موقفها السياسـي من خلال معارضتها استضافة الرئيس الأسبق محمد أنور السادات شاه إيران في جمهورية مصـر العربية، كما رفضت زيارة الرئيس السادات الشهيرة للقدس المحتلة وتوقيعه اتفاقية كامب ديفيد مع إسـرائيل.
أما تنظيم الجهاد، فقد تأسس على يد محمد عبدالسلام فرج، الذي كان جُل إنجازه إصدار كتاب الفريضة الغائبة الذي شكَّل أساساً لفكر التنظيم.

 ولم يحمل الكتاب أي جديد، حيث يمكن رؤية أفكاره في كتاب الإمام أحمد بن تيمية السياسة الشـرعية أو كتابات سيد قطب، وبخاصة كتاب معالم في الطريق. ويتمحور كتاب الفريضة الغائبة حول قضية الجهاد وجواز عزل الحاكم الظالم. وفي شهر يونيو عام 1981م فجرت الجماعة صـراعاً طائفياً عنيفاً بين المسلمين والمسيحيين الأقباط في حي الزاوية الحمراء في جمهورية مصـر العربية. وأدت سياسات الرئيس السادات وقمع جماعات المعارضة في عام 1981م إلى اغتياله على يد الجماعة في شهر أكتوبر عام 1981م، وجرى إعدام محمد عبدالسلام فرج وأعضاء الجماعة الذين شاركوا في الاغتيال.