الإثنين 13 أبريل 2015 / 18:51

السراب| القاعدة والسلفية الجهادية

أصدر مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية الدكتور جمال سند السويدي، مؤخراً كتاب "السراب"، وتتمحور فكرته الأساسية حول "السراب السياسي" الذي يترتب على الوهم الذي تسوقه الجماعات الدينية السياسية لشعوب العالمين العربي والإسلامي.

الغاية الأساسية من التركيز على مفهوم "الحاكمية" لدى منظِّري السلفية الجهادية هي نزع الشـرعية عن أنظمة الحكم القائمة، وإدخالها في حدِّ الكفر

يرى منظرو السلفية الجهادية أن من لا يؤمن بأن حق التشـريع لله وحده فهو كافر، ومن لا يلتزم من الحكام بتطبيق الشـريعة فهو كافر

الولاء والبراء بمعنى موالاة المسلمين ونصـرتهم والتبرؤ من الكافرين ومعاداتهم معيار للإيمان لدى السلفية الجهادية

الديمقراطية في إسنادها حق التشريع إلى البشر تجافي أسس فكرة "الحاكمية" التي ينادي الإخوان المسلمون بتطبيقها

ويكشف الكتاب، عبر فصوله السبعة، حجم التضارب القائم بين فكر الجماعات الدينية السياسية وواقع التطور الحاصل في النظم السياسية والدولية المعاصرة، خاصة فيما يتعلق بمسألة التنافر بين واقع الأوطان والدول وسيادتها القانونية والدولية من ناحية، ومفهوم الخلافة الذي تتبناه هذه الجماعات من ناحية ثانية، كما يكشف هذا الكتاب علاقة الترابط الفكرية القائمة بين جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات المتطرفة التي ولدت في مجملها من رحم هذه الجماعة، وفي مقدمتها القاعدة وداعش.

24 ينفرد بنشر كتاب "السراب" على حلقات:

الحلقة 28

الباب الثاني: حالات تطبيقية

الفصل السادس| الجماعات الدينية السياسية: التنظيمات الجهادية

السبب وراء تسمية "القاعدة":
يقول السيد إمام الشـريف "الدكتور فضل"، وهو واحد ممن حضـروا بدايات "الجهاد في جمهورية أفغانستان الإسلامية" وشارك فيه، ويعرف عنه أنه أستاذ أيمن الظواهري في الفكر الجهادي، في كتابه مستقبل الصـراع في أفغانستان، عن السبب وراء تسمية "القاعدة": في عام 1984م ظهر عبدالله عزام، وأنشأ مكتب خدمات المجاهدين في المدينة نفسها (مدينة بيشاور الباكستانية، وتقع فيها "بوابة خيبر" الحدودية وهي عبارة عن ممر ضيق بين الجبال على الحدود يربط بين العاصمة الأفغانية كابول ومدينة بيشاور) وكثرت التسهيلات لمشاركة العرب في الجهاد فكثروا تدريجياً. وكان أسامة بن لادن يجمع التبرعات لمكتب الخدمات، وقد شكا إليه بعض الأتباع من العرب ما اعتبروه تجاوزات تحدث بمكتب الخدمات، فقرر إنشاء نظام عمل مستقل عن عبدالله عزام، وبدأ ذلك بمعسكر تدريب في منطقة جاجي في جمهورية أفغانستان الإسلامية قرب الحدود مع جمهورية باكستان الإسلامية عام 1988م، وسماه مأسدة الأنصار العرب، وقرروا القيام بهجوم على قلعة شيوعية مجاورة (قلعة شاوني)، وكان بينهم جواسيس سـربوا الخبر إلى القلعة، وعند تقدم أتباع أسامة بن لادن من العرب استشعروا أنهم في مواجهة فخ نصب لهم فقرروا الانسحاب، فعيّرهم بقية العرب بأنهم انسحبوا من أول معركة، فقاموا بتغيير الاسم من "المأسدة" إلى "قاعدة الأنصار العرب" التي عرفت فيما بعد اختصاراً باسم "القاعدة".



السلفية الجهادية المرجعية لتنظيم القاعدة:
بشكل عام، تعد السلفية الجهادية بمنزلة المرجعية الرئيسية لتنظيم القاعـدة، حيث تؤمـن السلفيـة الجهادية باستخدام العنف المسلح واستخـدام القوة للتغيير، وتعد المفاهيم الآتية أساسية في فكر السلفية الجهاديـة:

الحاكمية الإلهية مقابل الجاهلية المعاصـرة:
يربط منظرو السلفية الجهادية مفهوم الحاكمية بالتوحيد والعقيدة الإسلامية. وينقسم مفهوم التوحيد إلى ثلاثة أقسام كما سبقت الإشارة إلى ذلك في الفصل الرابع، وهي: توحيد الألوهية، ويعني إيمان المسلم بتفرد الله في استحقاق العبادة دون غيره. وتوحيد الربوبية، ويعني إفراد الله تعالى بأفعاله كالخلق والملك والتدبير والإحياء والإماتة. وتوحيد الأسماء والصفات، ويعني إفراد الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا والإيمان بها.

ويرى منظّرو السلفية الجهادية أن من لا يؤمن بأنّ حق التشـريع لله وحده، فهو كافر، ومن لا يلتزم من الحكام بتطبيق الشـريعة الإسلامية، فهو كافر أيضاً، والمجتمعات التي لا تسود فيها حاكمية الشـريعة الإسلامية ولا تحتكم إلى الإسلام، في قوانينها وعاداتها وأحكامها العامة والخاصة هي مجتمعات جاهلية. ويرى أحد الباحثين أن الغاية الرئيسية من التركيز على مفهوم الحاكمية لدى منظِّري السَّلفية الجهاديَّة هي نزع الشـرعية عن أنظمة الحكم القائمة ومن ثم إدخالها في حدِّ الكفر. ويعد سيد قطب أبرز من قام ببلورة مفهومي الحاكمية والجاهلية في الخطاب المعاصـر للجماعات الدينية السياسية، وتمثل كتاباته مرجعية فكرية أساسية لدى أتباع السلفية الجهادية.



ويوظّف سيد قطب مفهومي الحاكميّة والجاهليّة بشكل مكثف في خطابه، ويدفع بهما إلى حدود التَّكفير، فالحاكميّة عنده هي أُولى خصائص الألوهيّة، وبحسب سيد قطب، شهادة أن لا إله إلا الله، معناها القريب: إفراد الله سبحانه بالألوهيّة، وعدم إشـراك أحدٍ من خلقه معه في خاصيّة واحدة من خصائصها، وأولى خصائص الألوهية: حق الحاكميّة المطلقة، الذي ينشأ عنه حقُّ التَّشـريع للعباد، وحقُّ وضع المناهج لحياتهم، وحقُّ وضع القِيَم التي تقوم عليها هذه الحياة.

وتلتزم السلفية الجهادية التقسيم النظري للسلفية الوهابية التقليدية، وهي تقوم على الأسس التي تناولتها سالفاً وهي: توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وهي الشق النظري الذي تشترك فيه جميع المدارس السلفية.

الجهاد طريق التوحيد:
يتحد الجهاد مع التوحيد في فكر السلفية الجهادية والقاعدة، فالسلفية تؤكد أن الجهاد شـرع من أجل التوحيد. ويختلف السلفيون الجهاديون عن المدارس السلفية الأخرى في مسألة الحصول على إذن الحاكم متى وجب الجهاد، فالسلفيون الجهاديون يرون أن الجهاد فرض عين على الأمة كلها؛ وأنه قد شـرعت بداية الجهاد مع نبي الله موسـى - عليه السلام - وأن نهايته تكون مع قتال المسلمين آخر الزمان للدجال ومن معه من اليهـود.

من جانب آخر، تقسم السلفية الجهادية الدول والمجتمعات إلى دار إسلام ودار كفر، والهدف من استدعاء تلك المفاهيم وإسقاطها على الواقع الحالي، هو ترويج فكرتهم القائلة بنزع الشـرعية عن العديد من الحكومات وأنظمة الحكم في الدول العربية والإسلامية، ثم التبرير والتسويغ للعديد من الأحكام المرتبطة بإضفاء الشـرعية الدينية على فتاوى الجهاد والقتال ضد هذه الحكومات والأنظمة السياسية.

الجهاد المسلح وسيلة التغيير:
بعد تأصيل مفهومي الحاكمية لله، وجاهلية المجتمعات المعاصـرة، المتمثلة في الأنظمة الحاكمة التي تصفها السلفية الجهادية بـ "الكافرة" توصلت السلفية الجهادية إلى وجوب إزالة تلك الأنظمة عن طريق الجهاد. لذلك قرروا إسقاط تلك الأنظمة التي تحكم بغير شـرع الله، بحسب ما يرى أنصار هذا الفكر؛ فهم يرون أن هذه الأنظمة، وإن ترأسها مسلمون - حسب رأيهم - تعد أنظمة جاهلية كونها تستند إلى مرجعيات مدنية معادية للدين. فهي موالية لأعداء الإسلام، كما أنه لا يجوز مهادنتها والحكم الشـرعي يقضـي بمقاومتها والخروج عليها.

والسلفيون الجهاديون يرفضون بشكل قاطع المشاركة في العملية السياسية، والدخول إلى المجالس النيابية، ويعتبرون أن المشاركة في الانتخابات إقرار بشـرعية الديمقراطية، وبالأنظمة الحاكمة؛ ما يعني الاعتراف والتأييد لغير حكم الله، ويولون الجهاد مكانة كبيرة بين باقي فروض الدين، بل يذهب بعضهم إلى أن الجهاد فرض عين منذ أن سقطت الأندلس في يد المسيحيين.



الولاء والبراء:
يمثل مفهوم الولاء والبراء، ركيزة أساسية لدى تيار السلفية الجهادية، ويعني بشكل عام موالاة المؤمنين ونصـرتهم، والتبرؤ من الكافرين ومعاداتهم. وتنظر أدبيات السلفية الجهادية إلى مفهوم الولاء والبراء باعتباره لصيقاً بالعقيدة الإسلامية، بل يشكل، من وجهة نظرها، معياراً رئيسياً لإيمان المسلم والتزامه بالإسلام. ونظراً إلى أهمية المفهوم ومركزيته في فكر السلفية الجهادية فقد ألف المقدسـي، كما أشـرت سابقاً، كتاباً خصصه لمفهوم الولاء والبراء هو كتاب ملة إبراهيم. ويوضح المقدسـي المقصود بهذا المفهوم معتبراً إياه من لوازم التوحيد والعقيدة الإسلامية، مشيراً في هذا الإطار إلى قضيتين أساسيتين: الأولى، البراءة من الطواغيت والآلهة التي تعبد من دون الله عزّ وجلّ، والكفر بها. والثانية، البراءة من الأقوام المشـركين إن أصـروا على باطلهم.

الديمقراطية كفر يناقض الإسلام:
تعتبر السلفية الجهادية الديمقراطية كفراً يناقض الإسلام وتعاليمه، حسب ما ورد في أدبياتها. وتنطلق في رؤيتها هذه من أن الديمقراطية تسند حق التشـريع إلى البشـر، وليس لله عزّ وجلّ، ما يجافي مبدأ "الحاكمية". وبحسب تلك الرؤية السلفية الجهادية فإن الإسلام جاء بنظام شامل كامل لكل نواحي الحياة؛ ولا يجوز أن يحتكم المسلم لغير مبادئ الإسلام وشـريعته. وقد اعتبر أبو محمد المقدسـي أن الديمقراطية لفظة خبيثة أصلها يوناني وليس عربياً، وهي تعني "حكم الشعب"، وهو ما يعد وفقاً للتيار السلفي الذي يتبع فكر الإمام محمد بن عبدالوهاب كفراً وشـركاً باطلاً يناقض الإسلام وملة التوحيد، وأمراً يستوجب البراءة منه، كونها منهجاً يخالف دين الإسلام.