الثلاثاء 14 أبريل 2015 / 18:27

السراب| مراحل تطور تنظيم القاعدة

أصدر مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية الدكتور جمال سند السويدي، مؤخراً كتاب "السراب"، وتتمحور فكرته الأساسية حول "السراب السياسي" الذي يترتب على الوهم الذي تسوقه الجماعات الدينية السياسية لشعوب العالمين العربي والإسلامي.

تنظيم "داعش" يمثل الجيل الثالث من التنظيمات الجهادية ويعكس خطر التطور الحاصل على مستوى تجنيد العناصـر المتشددة والاستقطاب عبر الإنترنت

ويكشف الكتاب، عبر فصوله السبعة، حجم التضارب القائم بين فكر الجماعات الدينية السياسية وواقع التطور الحاصل في النظم السياسية والدولية المعاصرة، خاصة فيما يتعلق بمسألة التنافر بين واقع الأوطان والدول وسيادتها القانونية والدولية من ناحية، ومفهوم الخلافة الذي تتبناه هذه الجماعات من ناحية ثانية، كما يكشف هذا الكتاب علاقة الترابط الفكرية القائمة بين جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات المتطرفة التي ولدت في مجملها من رحم هذه الجماعة، وفي مقدمتها القاعدة وداعش.

24 ينفرد بنشر كتاب "السراب" على حلقات:

الحلقة 29

الباب الثاني: حالات تطبيقية

الفصل السادس| الجماعات الدينية السياسية: التنظيمات الجهادية

تطور تنظيم القاعدة

يرى بعض الباحثين المتابعين لتنظيم القاعدة، أن التنظيم مر بثلاث مراحل رئيسية خلال السنوات العشـرين الماضية، كما يأتي:

• مرحلـة التأسيس
وهي مرحلة تبدأ من عام 1993م، حين بدأ مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في تجميع أنصاره من جميع أنحاء العالم، والجزيرة العربية على وجه الخصوص، عندما كان مقيماً في جمهورية السودان حيث كان يستثمر ما يقارب 200 مليون دولار خصصها للعمل في مجالات عدة منها الزراعة والمقاولات. وكان يرتبط في تلك الفترة بعلاقة وثيقة مع النظام السوداني، بقيادة الرئيس عمر حسن البشير.

• مرحلـة العمل الجهادي العسكري
وهي مرحلة بدأت عملياً عام 1998م عندما تقرر إعلان "الجبهة العالمية لمحاربة اليهود والنصارى"، حيث تشكل تحالف بين تنظيمات جهادية عدة، منها الجهاد الإسلامي بزعامة أيمن الظواهري، والجماعة الإسلامية بقيادة رفاعي أحمد طه، ومنظمة جهادية مغمورة في جمهورية بنجلاديش الشعبية. ونتج من هذا التحالف هجمات عنيفة على المصالح الأمريكية في أكثر من منطقة من العالم، من ضمنها الهجومان على مقر مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) في مدينة (الخُبر) شـرق المملكة العربية السعودية عام 1996م، وقاعدة للحرس الوطني في العاصمة الرياض، ثم الهجومان على سفارتي الولايات المتحدة الأمريكية في كل من العاصمة الكينية نيروبي، والعاصمة التنزانية دار السلام في عام 1998م، ثم الهجمات على برجي التجارة في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية في الحادي عشـر من سبتمبر 2001م.



• مرحلـة التوسع اللامركزي
مرحلة التوسع اللامركزي لتنظيم القاعدة، بدأت مع الغزو الأمريكي للعراق واحتلاله في مارس عام 2003م، وهو الحدث الذي أنقذ تنظيم القاعدة - وفقاً للعديد من الباحثين والمتخصصين - من مرحلة التراجع التي أعقبت اعتداءات الحادي عشـر من سبتمبر 2001م. هذه المرحلة مهمة لأسباب عدة، حيث أعطت تنظيم القاعدة الفرصة لقتال الأمريكيين وجهاً لوجه بحكم وجود القوات الأمريكية على الأراضـي العراقية، كما سمحت لتنظيم القاعدة بالتوسع التنظيمي والتمدد الجغرافي من أجل تأسيس فروع عديدة في: الجمهورية اليمنية، والمغرب الإسلامي، والصحراء الإفريقية، وجمهورية الصومال، وأخيراً في الجمهورية العربية السورية، وشبه جزيرة سيناء المصـرية، علاوة على دولة المنشأ جمهورية أفغانستان الإسلامية.

من جانب آخر، هناك من يضع تطور تنظيم القاعدة في مراحل عدة، هي:

المرحلة الأولى:
المعسكر والجبهة، وكانت في أواخر عام 1987م، وهي مرحلة جمع الأموال وتنظيم التبرعات، كما تناولت ذلك سابقاً.

المرحلة الثانية:
 البناء التنظيمي عام 1989م، وتبلورت من خلال تزايد أتباع أسامة بن لادن ومؤيديه من جنسيات مختلفة، وإن كانت غالبيتهم من المملكة العربية السعودية والجمهورية اليمنية، فبدأ ابن لادن يطلب منهم مبايعته أميراً عليهم وقائداً لهم، فتحولت القاعدة من معسكر وجبهة إلى تنظيم.

المرحلة الثالثة:
إعادة هيكلة التنظيم عام 1990م، عندما لاحظ بعض من بايعوا أسامة بن لادن من ذوي الخبرة في أنشطة العمل الإغاثي والإنساني التي كانت ستاراً للتنظيم في بداياته، أنه يغير أهداف التنظيم وخططه من الجهاد الأفغاني إلى الجهاد في الجمهورية اليمنية الجنوبية، وإعداد التنظيم للاشتراك في حرب الخليج الثانية ضد نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين الذي احتل دولة الكويت في الثاني من أغسطس 1990م، (تشير بعض المصادر إلى أن أسامة بن لادن كان يرغب في تشكيل جيش من الجهاديين لمحاربة قوات صدام حسين وتحرير الكويت كبديل لخطط الاستعانة بقوات أجنبية كان يرفض وجودها، وبرغم أن هذا العرض قد رفض من جانب الحكومة السعودية، فإنه كان يعكس استشعار ابن لادن وقتذاك لقوته ومن ثم انعكس ذلك على سلوكه تجاه أتباعه)، فطالب بعض أتباع أسامة بن لادن بأن يكون للقاعدة منهج ودستور يحدد أسس قيامها وأهدافها، والتي بناءً عليها تؤخذ البيعة من الشباب، فرفض ابن لادن التقيد بأي قواعد ليعطي لنفسه حرية التصـرف في التنظيم كما يشاء، ثم قام بطرد من طالبه بتقنين عمل التنظيم، ومن ثم فقد بات على أتباعه المتبقين كافة السمع والطاعة العمياء، وإلا فالمصير هو الطرد من التنظيـم.



المرحلة الرابعة:
 المواجهة العالمية لتنظيم القاعدة عام 1993م، وذلك في جمهورية السودان، عندما كشف قائد التنظيم وقتذاك أسامة بن لادن، عن رغبته في الصدام مع القوى الدولية الكبرى، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، فتخلى عنه بعض أتباعه، وكان إعلانه "الجبهة العالمية لمحاربة اليهود والصليبيين" عام 1998م، مجرد تحصيل حاصل، ونتيجة لما جرى الإعداد له من عام 1993م من رصد الأهداف الأمريكية والأوروبية التي يمكن ضـربها في أنحاء مختلفة من العالم. وجاء في الإعلان:
إن حكم قتل الأمريكيين وحلفائهم مدنيين وعسكريين، فرض عين على كل مسلم في كل بلد متى تيسـر له ذلك، حتى يتحرر المسجد الأقصـى والمسجد الحرام من قبضتهم، وحتى تخرج جيوشهم من كل أرض الإسلام، كسيرة الجناح عاجزة عن تهديد أي مسلم.

ومن المؤكد أن هذه الفتوى تتناقض كلياً مع ما جاءت به الشـريعة الإسلامية السمحة في تعاملها مع غير المسلمين، فضلاً عن أن أسامة بن لادن ذاته لم يكن مؤهلاً علمياً لإصدار مثل هذه الفتوى.

المرحلة الخامسة:
مرحلة الخلافات والانشقاقات في القاعدة، فقد شهد التنظيم العديد من الخلافات والانشقاقات التي أفقدته بناءه الهرمي ونالت من قدراته العملياتية وإمكاناته بفعل الضـربات القوية التي تعرض لها في سياق الحرب العالمية ضد الإرهاب، التي أعلنت ضده عقب الهجمات غير المسبوقة التي نفذها التنظيم في الحادي عشـر من سبتمبر 2001م في الولايات المتحدة الأمريكية. وتصاعدت حدة هذه الخلافات والانشقاقات بشكل لافت للانتباه منذ مقتل زعيم التنظيم ومؤسسه أسامة بن لادن في باكستان في 2 مايو عام 2011م، وحتى قبل ذلك، وهو ما توضحه الرسالة التي بعث بها نعمان بن عثمان أبو محمد الليبي، القيادي الأصولي في "مجلس شورى الجماعة الليبية المقاتلة" إلى أسامة بن لادن في 10 سبتمبر 2010م، بمناسبة الذكرى التاسعة لهجمات 11 سبتمبر 2001م، وأكد له فيها أن "المسلمين في جميع أنحاء العالم يرفضون الجهاد على فهم القاعدة ومنهجها، ويرفضون قيام دولة إسلامية على فهم القاعدة ومنهجها"، داعياً ابن لادن إلى مراجعة استراتيجية العنف التي ينتهجها التنظيم والتي أضـرت بالإسلام والمسلمين. كما توضح مراجعات مشابهة قام بها عدد من القيادات الجهادية، خلال السنوات الماضية، رفض ممارسات تنظيم القاعدة وبعض فروعه، وإن كان هذا لا يعني بالتبعية أن هذه الانشقاقات تعني تراجعاً عن الفكر الجهادي المتطرف، بل تقتصـر فقط على رفض منهج القاعدة وخططها، أي إنه خلاف حول التكتيك وليس على الاستراتيجيات الجهاديـة.

وبرزت هذه الانشقاقات في إبريل 2013م، حين أعلن تنظيم "دولة العراق الإسلامية"، الذي تتباين التقديرات بشأن عدد مقاتليه (قدرته وكالة الاستخبارات الأمريكية في سبتمبر 2014م بما يتراوح بين 20 و30 ألف مقاتل، في حين قدره مجلس الأمن القومي الروسـي بما يتراوح بين 30 و50 ألف مقاتل في الشهر نفسه، وهي إحصاءات تقديرية وتتغير باستمرار نظراً إلى عمليات التعبئة والتجنيد المستمرة في صفوف التنظيم) تغيير مسماه إلى "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) وإعلان ضمه "جبهة النصـرة لأهل الشام"، التي قدر عدد مقاتليها بنحو تسعة آلاف مقاتل، وهو ما رفضته الجبهة وأميرها محمد الجولاني الذي حصل على تأييد زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري لموقفه.

وقد تسبب تنظيم "داعش" في تعميق حدة الانشقاقات عن "القاعدة"، بعد الانتصارات الميدانية التي حققها، وسيطرته على مساحات واسعة من أراضـي العراق وسوريا، وإعلانه قيام دولة الخلافة عليها في يونيو 2014م، كما سبقت الإشارة إليه، حيث أعلن العديد من التنظيمات التابعة للقاعدة وآلاف الجهاديين الموالين لها الانضمام لداعش وتقديم البيعة له. ولعل ذلك هو ما يفسـر سبب الزيادة المستمرة في عدد المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيم. وتشير التقديرات التي نشـرتها مجموعة صوفان، وهي شـركة استخبارات مقرها نيويورك، في تقرير لها صدر في يونيو 2014م، إلى أن عدد المقاتلين الأجانب في الصـراع السوري لا يقل عن 12 ألف مقاتل أجنبي أتوا من 81 دولة، بمن في ذلك نحو 3000 من المواطنين الأوروبيين، في حين قدر الرئيس الأمريكي باراك أوباما في كلمته أمام مجلس الأمن الدولي في سبتمبر 2014م عدد المقاتلين الأجانب المتوجهين للقتال بمناطق الصـراع في الشـرق الأوسط بأكثر من 15 ألفاً من 80 دولـة.

ومن أبرز الانشقاقات عن تنظيم القاعدة، التي يمكن الإشارة إليها أيضاً إعلان كتائب وسـرايا مرتبطة بتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" في سبتمبر 2014م انشقاقها عن زعيم هذا التنظيم عبدالمالك درودكال المكنى أبو مصعب عبدالودود، ومبايعة "داعش".



وبشكل عام يشكل الانتشار الجغرافي لفكر تنظيم القاعدة وما طرأ عليه من تغيرات وتحولات استراتيجية مفارقة تستدعي البحث والدراسة، حيث تحول هذا الفكر عبر مراحل زمنية مختلفة ابتداءً من مرحلة "الجهاد" في جمهورية أفغانستان الإسلامية في ثمانينيات القرن الماضـي، والذي يركز على فكرة محاربة العدو البعيد المتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، وصولاً إلى فكر التنظيمات الجهادية الحالية في الجمهورية العربية السورية، وجمهورية مصـر العربية، حيث ظهرت جماعات موالية للقاعدة مثل "أنصار بيت المقدس"، وجمهورية العراق، حيث تنامى نفوذ تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، والتي أصبحت تركز على العدو القريب المتمثل في أنظمة الحكم العربية والإسلامية، على نحو أسهم في حدوث انشقاقات وخلافات داخل تنظيم القاعدة حول الرؤية والمنهج.

ويرى بعض المتخصصين أن الانشقاقات الحاصلة في تنظيم القاعدة، تعود في جوهرها إلى مجموعة من الأسباب منها: أن تنظيم القاعدة مرّ بثلاثة أجيال: الجيل الأول هو جيل المقاتلين القدامى الذين حاربوا الاتحاد السوفيتي السابق مع أسامة بن لادن في ثمانينيات القرن المنصـرم، والجيل الثاني الذي برز خلال فترة أحداث الحادي عشـر من سبتمبر عام 2001م وما كانت تعكسه على صعيد نقل التنظيم معاركه إلى الخارج، والجيل الثالث هو جيل الإنترنت الذي تبنى من خلال تجنيده تكوين خلايا محلية في شبه الجزيرة العربية وبلاد المغرب وإفريقيا وبعض الدول الأوروبية. وبالتالي فإن توالي الأجيال قد أفرز بالتبعية تباينات على مستوى الفكر والتخطيط والوسائل والتكتيكات، ومن ثم فقد كان الانشقاق نتيجة لهذه التباينات.

والسبب الثاني، هو اتساع رقعة عمليات تنظيم القاعدة بشكل كبير؛ ما مهد الطريق أمام مثل تلك الانشقاقات بعيداً عن التنظيم الأم. والسبب الثالث، هو أنه بعد مقتل مؤسس التنظيم أسامة بن لادن في الثاني من شهر مايو من عام 2011م باتت الفرصة سانحة أمام انشقاقات وزعامات أخرى للظهور، ولاسيما مع الضعف الواضح في شخصية زعيم التنظيم الجديد أيمن الظواهري مقارنة بشخصية مؤسس التنظيم أسامة بن لادن، ما تسبب في مجمله في فقدان الظواهري القدرة والسيطرة على هذا التنظيم الذي أصبح له قيادات متعددة ومتصارعة أحياناً، برغم ما يظهر على السطح إعلامياً من استمرار الظواهري قائداً للتنظيم.