الخميس 16 أبريل 2015 / 20:16

السراب| العمل الإعلامي في تنظيم القاعدة

أصدر مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية الدكتور جمال سند السويدي، مؤخراً كتاب "السراب"، وتتمحور فكرته الأساسية حول "السراب السياسي" الذي يترتب على الوهم الذي تسوقه الجماعات الدينية السياسية لشعوب العالمين العربي والإسلامي.

الإعلام الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي باتت إحدى أخطر أدوات التنظيمات الجهادية المتشددة سواء على مستوى التجنيد أو الدعاية أو نشـر الأفكار

تنظيم القاعدة وضع خطة لإحياء دولة الخلافة انطلقت من ثلاثة محاور أبرزها المحور الإعلامي

ويكشف الكتاب، عبر فصوله السبعة، حجم التضارب القائم بين فكر الجماعات الدينية السياسية وواقع التطور الحاصل في النظم السياسية والدولية المعاصرة، خاصة فيما يتعلق بمسألة التنافر بين واقع الأوطان والدول وسيادتها القانونية والدولية من ناحية، ومفهوم الخلافة الذي تتبناه هذه الجماعات من ناحية ثانية، كما يكشف هذا الكتاب علاقة الترابط الفكرية القائمة بين جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات المتطرفة التي ولدت في مجملها من رحم هذه الجماعة، وفي مقدمتها القاعدة وداعش.

24 ينفرد بنشر كتاب "السراب" على حلقات:

الحلقة 31

الباب الثاني: حالات تطبيقية

الفصل السادس| الجماعات الدينية السياسية: التنظيمات الجهادية

العمل الإعلامي في تنظيم القاعدة

تقدر القيادة الرئيسية لتنظيم القاعدة دائماً أهمية الظهور في وسائل الإعلام أو نشـر أخبار التنظيم من خلال وسائل الإعلام. وبعد اعتداءات الحادي عشـر من سبتمبر 2001م، أصبح هذا العمل يشغل أهمية مركزية للتنظيم.

ويرى بعض الباحثين في الجماعات الأصولية المسلحة أن جيل القاعدة الحالي هو الجيل الثالث، كما أشـرت إلى ذلك سالفاً، حيث يلاحظ بعض الباحثين أن التنظيم لم يعد قادراً على القيام بأي عمليات نوعية ضد الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحادي عشـر من سبتمبر 2001م، وتمحورت عملياته في جذب انتحاريين جدد عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الجهاد التابعة لتنظيم القاعدة، خاصة في البلدان التي تشهد فوضـى أمنية وسياسية وتعاني ضعف الحكومات المركزية.

وقد قامت بعض الدراسات المتخصصة برصد نشاط القاعدة الإعلامي موضحة ما سمّته "الأيديولوجية الإعلامية لتنظيم القاعدة"، وعرفته بأنه الأفكار التي تبلورت خلال مرحلة الجهاد الأفغاني، وتم إعادة تأصيلها مفاهيمياً وتصديرها نظرياً وعملياً والتعبير عنها عبر الشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، بوصفها الوسيلة الإعلامية المتاحة أمام تنظيم القاعدة، لتخرج هذه الأفكار من الحيز المكاني المحدود إلى الحيز الفضائي اللامحدود في صورة نص أو صوت أو صورة، ساكنة أو متحركة، أو العناصـر الثلاثة معاً، بحيث كان التعبير عن هذه الأيديولوجية يتطور بتطور وسيلة الإعلام الناقلة له.

والمتابع لنشاط تنظيم القاعدة الإعلامي يجد أنه مرّ بعدد من المراحل هي:

المرحلة الأولى:
المرحلة التي سبقت أحداث الحادي عشـر من سبتمبر 2001م، وكان فيها اهتمام وسائل الإعلام بتنظيم القاعدة، والمجموعات الجهادية المتشددة الأخرى محدوداً، ولاسيما الإعلام الغربي.



المرحلة الثانية:
المرحلة التي أعقبت أحداث الحادي عشـر من سبتمبر 2001م، وفيها برزت أخبار تنظيم القاعدة، وتصدرت العناوين، بل الكتابات (من صحف ومجلات وكتب وأبحاث،... إلخ) بسبب تسليط الإعلام الدولي الضوء على القاعدة والتنظيمات التابعة والمؤيدة لها، وهي المرحلة التي أسست لتشكيل الفكر الإعلامي للقاعدة.

المرحلة الثالثة:
 كانت خلال الفترة 2003-2004م: ارتبط فيها العمل الإعلامي للقاعدة في هذه الفترة بالعمليات على الأرض، فالحضور الإعلامي للقاعدة كان يسبق العمل الميداني، مثل الهجوم على المجمع السكني الذي يقطنه أجانب في الرياض عام 2003م، وهجوم مسلحين على مقر القنصلية الأمريكية بمدينة جدة عام 2004م، والهجوم على رعايا غربيين بمدينة ينبع، ما أسفر عن مقتل ست ضحايا عام 2004م.

المرحلة الرابعة:
كانت خلال الفترة 2005-2007م: وهذه المرحلة غير مرتبطة بعمليات ميدانية، إذ تكثف في هذه المرحلة العمل الإعلامي لتنظيم القاعدة.

وقد شعر قادة التنظيم بالدور الرئيسـي لوسائل الإعلام، ولاسيما الدور الذي تلعبه شبكة الإنترنت، ليس كوسيلة تواصل مهمة وغير مكلفة فقط، بل كوسيلة إعلامية مؤثرة يمكن من خلالها استقطاب كوادر جديدة للتنظيم، وبالتالي بناؤه أفقياً كما يريد. ومن هنا بدأ التنظيم مرحلة أخرى بسياسة أخرى (إدارية) فبادر إلى تحويل هيكلته التنظيمية من الإدارة المركزية إلى الإدارة اللامركزية؛ للتوغل والانتشار في معظم دول العالم كخلايا نائمة تنمو وتتكاثر في البيئة المستهدفة. ويقتصـر دور القيادة المركزية على الدعم اللوجستي والتوجيه كما حدث في دول مثل: جمهورية العراق والجمهورية اليمنية والمملكة العربية السعودية.

ويحرص تنظيم القاعدة، والتنظيمات الأخرى التابعة له على تدريب الكوادر على استخدام شبكة الإنترنت بحرفية عالية، واستغلال سماتها كوسيلة إعلامية تتميز بصعوبة تتبع مستخدميها والمشـرفين على مواقعها، في ظل ابتكار أساليب جديدة ومتطورة، للتغلب على الرقابة وآلياتها المختلفة. لذا تعتبر مواقع التنظيمات الجهادية مثل "القاعدة" و"داعش" وغيرهما، من أهم وسائل التعريف بالتنظيمات وأنشطتها، وإصداراتها المختلفة السياسية والعسكرية والشـرعية، ومن أمثلتها موقع "النداء" و"الجهاد" و"عزام".



وترى بعض الدراسات أن تنظيم القاعدة وضع خطة لإحياء دولة الخلافة، التي تعتبر حلماً لكل الجماعات الدينية السياسية. وقد انطلقت خطة تنظيم القاعدة لإحياء دولة الخلافة، من ثلاثة محاور، يُعتبر المحور الإعلامي من أبرزها، وذلك على النحو الآتي:

1. تكوين فرع لتنظيم القاعدة في المملكة العربية السعودية؛ للقيام بحرب استنزاف طويلة الأمد ضد القوات السعودية والأمريكية، وجر الولايات المتحدة الأمريكية إلى حرب داخل المملكة العربية السعودية. 

2. توجيه ضـربة نوعية للولايات المتحدة الأمريكية في عقر دارها لجرها إلى حرب داخل المملكة العربية السعودية وكانت اعتداءات الحادي عشـر من سبتمبر 2001م هي الضـربة النوعية التي خطط لها التنظيم في هذا الإطار.

3. حملة إعلامية مكثفة من خلال شبكة الإنترنت، بوصفها الوسيلة الإعلامية الوحيدة المتاحة للترويج لأيديولوجية التنظيم، لتتشكل بذلك أيديولوجيته الإعلامية.

ومن أبرز المؤسسات الإعلامية لتنظيم القاعدة:

موقع النداء:
كان موقع النداء Alneda.com، قد أطلق إلكترونياً في عام 1998م، بوساطة أحد أعضاء تنظيم القاعدة، وهو يوسف بن صالح العييري وكانت بيانات التنظيم تصدر من خلاله، وظل بين النشاط والانقطاع، إلى أن تم دمجه في وقت لاحق، بعد إنشاء تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، مع موقع التنظيم الرسمي آنذاك "صوت الجهاد".

مؤسسة السحاب الإعلامية:
أول إصدار لها كان عام 2000م، حين تم تصوير الهجوم على المدمرة "كول" في خليج عدن، وقد صدر لها في السنوات الأخيرة عدد من الإصدارات باللغة الإنجليزية، وهي الذراع الإعلامية الرئيسية لتنظيم "القاعدة" خصوصاً للجيل الأول (أسامة بن لادن وأيمن الظواهري)، فجميع إصدارات هذا الجيل صدرت من خلالها.



القسم الإعلامي لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين:
وكان مختصاً بإصدارات القاعدة في بلاد العراق، وقد توقف عن العمل في الفترة الأخيرة بعد تفكك "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" وظهور تنظيم "دولة العراق الإسلامية". ومن ثم حلّت إعلامياً "مؤسسة الفرقان" التابعة لدولة العراق الإسلامية محل القسم الإعلامي لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، ثم تطور الأمر إلى إصدار مجلة "دابق" المتطورة تقنياً لتعبر عن نشاط تنظيم "الدولة الإسلامية"، ما يعكس مدى اهتمام التنظيمات الجهادية المتشددة وقادتها بالنشاط الإعلامي إلى درجة لفتت انتباه المراقبين الذين رصدوا تفوقاً ملحوظاً في هذا المجال لهذه التنظيمات، ولاسيما تنظيم "الدولة الإسلامية".

القسم الإعلامي لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي:
يختص هذا القسم الذي يعمل تحت مسمى "مؤسسة الأندلس للإنتاج الإعلامي" بإعداد إصدارات تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي (الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، والمملكة المغربية، والجمهورية التونسية، والجمهورية الإسلامية الموريتانية، ودولة ليبيا) والإشـراف عليها، ونشـر المواد الإعلامية والترويجية الخاصة بالتنظيم على المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي.

مؤسسة صدى الملاحم:
وهي مختصة بإصدارات تنظيم القاعدة في جنوب جزيرة العرب، وأصبحت الآن مختصة في إصدارات التنظيم في الجمهورية اليمنية بعد اندماج تنظيمَي القاعدة في المملكة العربية السعودية والجمهورية اليمنية.



مركز الفجر الإسلامي:
بعد أن تم تأسيس تنظيم الدولة الإسلامية في العراق عام 2006م، تم توحيد الجهود الإعلامية، حيث تولى مركز الفجر مهمة توزيع إصدارات التنظيم كافة، وكان الهدف من إنشاء هذا المركز مراعاة الجوانب الأمنية، وفصل المؤسسة الإعلامية عن العمل الحركي الميداني.

وتخلص إحدى الدراسات إلى القول إن الحرب التي يشنها تنظيم القاعدة على الجبهات كافة تقوم على الاستنزاف الذي يعتمد تكتيكياً على حروب العصابات، التي تحتاج بدورها إلى غطاء إعلامي يحول دون الخسارة الباكرة لهذه الحروب، ومن هنا كان إعطاء أولوية خاصة للإعلام ضمن آليات عمل التنظيم. وتشير أدبيات القاعدة إلى أن من الأمور التي يجب توافرها لشن حروب عصابات، تكثيف الدعاية والإعلام على المستويات كافة، وامتلاك أدوات إعلامية قادرة على التعبير عن رأي التنظيم ووجهات نظره داخلياً وخارجيـاً. والمفارقة في هذه الجزئية أن هذا الاهتمام المكثف من جانب التنظيمات الجهادية بالإعلام وتأثيراته الجماهيرية في تشكيل الاتجاهات وتغيير القناعات، يتواكب زمنياً مع توجه بعض الدول العربية والإسلامية لإلغاء وزارات الإعلام في وقت يبدو فيه الرأي العام في هذه الدول بحاجة ماسة إلى معادل موضوعي يواجه خطط الدعاية والاستقطاب والأفكار المتشددة التي تبثها الجماعات الدينية السياسية عبر مختلف وسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية، ناهيك عن وسائل التواصل الاجتماعي.