الأحد 17 مايو 2015 / 00:27

دواعش ينتظرون قبلة الموت



تثبت الأعداد المتزايدة للشباب الذين باتوا يسافرون إلى أماكن سيطرة داعش في سوريا والعراق للانضمام إلى صفوفه، أن هناك الكثير ممن يمثلون مشاريع دواعش غير مكتملة داخل مجتمعاتهم، هؤلاء لا يمكن لأي نوع من الحملات الدعائية أو الوعود الكاذبة بحياة أفضل، أن تنجح باستقطابهم، دون امتلاكهم حداً أدنى من الاستعداد الداخلي، لتقبل وتمثل أفكار وأجندات التنظيم المتطرفة.

ما سبق يحيلنا إلى التعصب، فهو القاسم المشترك بين كثير من الدواعش المستترين حول العالم، ومهما أخذ هذا التعصب من أشكال مبطنة ومهذبة في الظاهر، إلا أنه ينطوي على شحنات كامنة من العنف، وقابلة للانفجار في أي لحظة، ومن هنا فإن الأشخاص المغرر بهم يجدون ضالتهم في الانضمام إلى داعش، لإشباع هذا الميل المبطن إلى العنف، إضافةً لممارسة وهم السلطة والتحكم، في حين يستغلهم التنظيم كأدوات لتنفيذ أعماله الإجرامية.

ورغم أن التعصب ليس ظاهرة جديدة، وإنما متأصلة في تاريخ البشرية، كما يأخذ أشكالاً عديدة، إلا أننا ما زلنا حتى اليوم نحصد نتائجه المأساوية والمدمرة، في كل أنحاء العالم، وخاصةً في الدول العربية، التي تحول عدد منها إلى ساحات للصراع، لتحقيق أهداف تنظيمات إرهابية، استطاعت أن تغري شباباً عرب ومسلمين، بشعارات براقة، كالحرية والكرامة، إلا أنها في جوهرها تبرر القتل والإرهاب.

الدواعش يعيشون وهم امتلاكهم للحقيقة، وأنهم وحدهم على حق، فيما الآخر المختلف مخطئ بالضرورة، ولهذا فإن التعصب ليس جرعة زائدة من الإيمان، كما يفهمه البعض، ولكنه نزعة إلى الإقصاء، وعدم تقبل الآخرين، وهو الوقود الذي يتغذى عليه العنف، والمبرر النفسي الأقوى للإرهاب، وعن خطورة العنف الناتج عن التعصب، يخبرنا المهاتما غاندي في أحد مجلداته التسعين التي خصصها جميعاً لبحث فلسفة "اللاعنف" أن "العنف يدمر حقيقة الإنسان، فحينما يعتقد بشري أنه يمتلك الحقيقة، فمن المؤكد أنه سيدافع عنها ضد الأشرار، وقد تسوِّل له نفسه استعمال العنف للدفاع عن هذه الحقيقة، وهنا مكمن الخطر، كذلك هناك من يقول بأن هناك عنفا جيداً وعنفاً سيئاً، وهذا ما يثير البلبلة، ولهذا يجب أن تكون هناك صرامة فكرية في هذا، حتى نميز بينهما".

لكن مكمن الخطر أيضاً، ليس في محاولة داعش إقناع الأشخاص المغرر بهم، باستخدام العنف لتحقيق هدف أسمى وأكبر وفق ادعائهم وهو إحياء "دولة الخلافة"، فحسب، وإنما في شرعنته لهذا العنف، لهذا نجد أن الدواعش، يستندون في تبرير أعمال القتل والنهب والحرق، إلى شواهد من كتب لم يسمع عنها أحد، ولا تمت إلى الإسلام الذي يدعون تطبيقه بصلة.

حين نقتنع أن الحقيقة ليست واحدة بالنسبة لجميع البشر، وأن ما نعتبره صحيحاً قد يراه غيرنا خاطئاً، دون أن يعني ذلك التقليل من أهمية الانتماء بأشكاله المختلفة، دينياً واجتماعياً وفكرياً وسياسياً.. الخ، نبدأ بتعلم القدرة على التعايش والتسامح، مع الآخر المختلف، ومقارعة أفكاره بالحجة وقوة المنطق لا منطق القوة، فالانتماء حاجة إنسانية، لكنها لا تنجو من فخ التعصب، إلا عندما تحافظ على أبعادها الإنسانية.
لايمكن أن نواجه ظاهرة الهجرة، وخاصةً لدى الشباب العرب والمسلمين للانضام إلى داعش، بالتصدي لبروباغندا التنظيم فحسب، ولكن الحل يبدأ من البيت والمدرسة والمؤسسة التعليمية، نحتاج إلى مواجهة فكرية وثقافية، من خلال تعزيز قيم التسامح والاعتدال واحترام الاختلافات، وإلا فلننتظر استيقاظ الدواعش النائمة من حولنا، ولكن بقبلة الموت المدمرة هذه المرة.