الأب فادي ضو (لقطة من يوتيوب)
الأب فادي ضو (لقطة من يوتيوب)
الإثنين 1 يونيو 2015 / 21:51

رئيس "مؤسسة أديان" اللبنانية: ضرورة إيجاد خطاب ديني قائم على احترام الاختلاف

24 - محمود غزيّل

أوضح رئيس مؤسسة "أديان" اللبنانية، ومنسق العلاقات بين الأديان والعلاقات المسكونية في الكنيسة المارونية سابقاً الأب فادي ضو أن "التنوع الطائفي والمذهبي والديني هو أمر واقع لا يمكن إلغاءه، فهذا التنوع يجب أن يكون عامل إثراء للمجتمع".

وأشار في حديث خاص لـ24 إلى أن الطائفية "تحوّل هذا التنوع الواسع إلى مجموعات متصادمة ومتصارعة فيما بينها، عبر استغلال المشاعر الدينية للتركيز على الخلافات وعلى موضوع الخوف من الآخر، ما يؤجج الصراعات المذهبية والطائفية لمصالح لا علاقة لها بالدين أو بالرسالة الدينية".

ورأى أن "ما نريد الوصول إليه هو إلغاء التعصب الطائفي والوصول إلى ثقافة تحترم الاختلافات وتعتبر التنوّع مصدر غنى في مختلف المجالات من بينها الفكرية والثقافية"، مستشهداً بالآية الكريمة في سورة الحجرات "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا"، مؤكداً أن "وجود مثل تلك الآيات في الكتب السماوية هو دليل أن الله يريد هذا التنوع ويرى فيه حكمة للحياة البشرية، كما يريد أن تتفاعل المجموعات البشرية، أن تتعارف بعضها على بعض وأن تتعاون فيما بينها".

واستذكر ضو إعلان منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بشأن التنوع الثقافي، الذي تم تبنيه عام 2001، ويعتبر هذا الإعلان بشكل ما مكمل لشرعة حقوق الإنسان، حيث التأكيد على أن احترام كرامة الإنسان لا ينفصل عن احترام الأبعاد الثقافية المختلفة لهويته وإلغاء كل أشكال التعصب والتمييز. كما يعتبر التنوع بحد ذاته حاجة إنسانية مثل التنوع البيويولوجي، ومصدر إبداع ورقي.

مواجهة الطائفية
وفي موضوع محاربة هذه الآفة، رأى أن "المواجهة لا تكون عبر السعي لإلغاء الاختلاف أو فرض الانصهار الطائفي أو رفض الاعتراف بالتنوع" مضيفاً "إن الفكر الإيديولوجي الذي يسعى إلى أن تذوب الجميع في نمط واحد من الوجود هو مستحيل والأكيد أن نتيجته تكون كارثية على المجتمع".

وأكد أن الحل الوحيد هو بالاعتراف بهذا التنوع، وإيجاد آليات لإدارة هذا التنوع على مستويات مختلفة.

وتابع أنه "على الصعيد السياسي، تكون إدارة التنوع بالتأكيد على المواطنة والتشديد على مشاركة كل فرد في الحياة العامة، وبالتالي أن لا تكون المشاركة السياسية حكراً على مجموعة دون الأخرى. أما على الصعيد الثقافي، فيجب التشديد على تنمية قدرات الناس على التفاعل والانفتاح على الأفكار الجديدة وخصوصاً المختلفة منها، والتواصل بين مختلف الشعوب، الأمر الذي أصبح حتميّاً اليوم خصوصاً مع وجود وسائل الإعلام الحديثة والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي. أما على الصعيد التربوي، فالمطلوب اليوم إعادة النظر بالمناهج التعليمية وتنقيتها من الشوائب وتطويرها عبر التشديد على احترام الاختلافات خصوصاً الدينية منها واعتبارها جزءاً من الثقافة الوطنية المشتركة".

أما على الصعيد الديني، فأشار ضو إلى أنه يجب محاربة الخطاب التكفيري الذي يعتبر كل من اختلف عنه أنه كافر، معتبراً أن الأمر يشكل تحدياً كبيراً إذ "لا يكفي اليوم أن نقول بأن التكفيريين يشكلون المشكلة الأساس فقط، لا بل علينا أن نطور الخطاب الديني البديل الذي يتضمن القيم الأخلاقية المشتركة التي تحث على التعاون واحترام الاختلاف على قاعدة ما يقوله الله في سورة البقرة "لا إكراه في الدين"، والمطلوب من الخطاب الديني أن يعيد بناء ذاته على أساس الترويج لهذه القيم".

التجربة اللبنانية
وفي الإطار اللبناني، يخشى ضو من عودة الوضع الحالي إلى الوراء والتصادم بين مكونات المجتمع اللبناني، لكنه ينبه إلى أن الجيل الحالي من اللبنانيين أصبح لديه خبرة واستخلص بعض الدروس من الصراعات الطائفية السابقة "ونشهد في هذه الأيام مبادرات مميزة في المجتمع مثل التعاون بين مؤسستنا "مؤسسة أديان" ووزارة التربية الوطنية".

وأوضح أن المؤسسة اليوم بصدد الانتهاء من المرحلة الأولى من تطوير المناهج التربوية التي تقوم على فكرة اعتبار المكونات الثقافية والدينية المختلفة وما قدمته من نتاج فكري وعلمي هو جزء من الثقافة الوطنية المشتركة، وبالتالي تحرير الثقافة من النمطية الطائفية.

وشرح هذه الفكرة بالإشارة على سبيل المثال إلى أنه يجدر بالطالب المسيحي أن يعتبر الفن المعماري الإسلامي، بما يشمل من مساجد وغيرها، هو عنصر في الثقافة اللبنانية وليس حصراً بالدين الإسلامي، ومن جهة أخرى أن يعتبر الطالب المسلم أن نتاج الفكر المسيحي والأدباء المسيحيون هو من الفكر اللبناني المشترك.

وأضاف أن هذا المنهج الجديد سوف يبدأ العمل به ابتداءً من العام الدراسي المقبل ضمن مادة الفلسفة والحضارات، في حين سوف يتبع ذلك في السنة التالية إدخال منهج التربية المدنية والتنشئة الوطنية الذي يتم العمل على تطويره حاليّاً، على أن يليه المناهج الخاصة بالتربية الدينية وكتب التاريخ لاحقاً.

أمل في الأفق
واستشرف ضو الأمل في الواقع السوداوي الحالي، "فعلى الرغم من الوضع السيء، هناك دائماً نافذات إيجابية، إذ سبق لمؤسسة أديان أن أطلقت "الدليل العربي للتربية على المواطنة الحاضنة للتنوع"، ويتم اليوم البحث مع جامعة الدول العربية في كيفية نشر هذا الفكر، والخروج من منطق الانصهار في لون واحد أو التسامح الظاهري فقط للانتقال إلى منطق الشراكة والتعاون وبناء المجتمع معاً.