الخميس 4 يونيو 2015 / 09:44

الإرهاب بين مسؤوليّتهم ومسؤوليّتنا



منذ جريمة 11 سبتمبر (أيلول) 2001، ولكنْ خصوصاً منذ ظهور "داعش" وانتقال بعض الشبّان المقيمين في الغرب للقتال معه، ومسألة الغرب والإسلام مطروحة بقوّة في المجتمعات الغربيّة. فعلى المستوى الأمنيّ، كان البرلمان الفرنسيّ، نتيجةً لمقتلة "شارلي إيبدو"، قد صوّت بأكثريّة ساحقة لمصلحة توسيع السلطات البوليسيّة ذات الطابع الاستباقيّ، وهو ما يُتوقّع أن يتكرّر في كندا وبلدان أوروبيّة عدّة. ومن المتّفق عليه أنّ حرّيّات الأفراد المسلمين وجالياتهم ستكون أوّل من تستهدفه الوجهة الجديدة هذه.

مع هذا، فقليلون هم الذين يحصرون المشكلة بوجهها الأمنيّ، إذ يتوزّع الآخرون بين من يركّز على الوجه السياسيّ ومن يشدّد على الوجهين الثقافيّ والاقتصاديّ.

لكنّ هذه الورشة السجاليّة والإجرائيّة المفتوحة لن تستطيع حجب مسؤوليّة الحكومات الغربيّة عمّا جرى ويجري. يكفي القول إنّ أكثريّة الذين ينضمّون إلى "داعش" والذين يتورّطون في أعمال إرهابيّة في الغرب ليسوا من أبناء الهجرة الحديثة، بل هم ممّن ولدوا في الغرب لآباء أو أجداد سبق أن هاجروا إليه. وهؤلاء، بالتالي، نشأوا وتعلّموا في البلدان الغربيّة، فتأثّروا بما يجري فيها كما بالقيم التي تتداولها.

في هذه الحدود تكمن مسؤوليّة الحكومات الغربية، الآخذة باقتصادات نيو ليبراليّة، في أنّها لم تستوعب هؤلاء الشبّان فلفظتهم إلى البطالة أو الجنح، وفي جميع الحالات إلى الهامش المُستبعَد. وهذا ما يفسّر أنّ الفترة التي عرفت نموّ الاقتصادات المنتجة والمستوعبة لليد العاملة في الغرب لم تشهد ظاهرات كهذه، الأمر الذي يصحّ في حركة الهجرة ما بين أواخر الخمسينات وأواخر السبعينات.

بيد أنّ الحديث عن مسؤوليّة الحكومات الغربيّة يبقى نصف الحقيقة، لأنّ نصفها الثاني يتعلّق بالمجتمعات الإسلاميّة وثقافاتها السائدة. ذاك أنّ أثر الاقتصادات النيو ليبراليّة على الجماعات المهاجرة الأخرى، كالهندوس والسيخ والمسيحيّين واليهود وسواهم، ليس كأثرها على الجماعات المسلمة التي تفرز الحالات الإرهابيّة. وإذا صحّ أنّ الإرهابيّين هؤلاء إنّما ترعرعوا في مجتمعات غربيّة، فالصحيح أيضاً أنّهم ترعرعوا في بيوت وعائلات جعلتها أزمة الهويّة وزمن العولمة تنكفىء على مواريثها وتعيد إنتاجها جيلاً بعد جيل. ولا يؤتى اليوم بأيّ جديد حين يقال إنّ الهجرة غدت، مع العولمة، مجرّد انتقال مكانيّ لا يصحبه أيّ تغيّر يطرأ على الأفكار والسلوك. فالأسرة المسلمة المقيمة في ألمانيا أو بريطانيا تستطيع أن تشاهد "الجزيرة" و"العربيّة"، وأن تقرأ "الحياة" و"الشرق الأوسط"، وأن تتناول الأطعمة نفسها التي كانت تتناولها في البلد الأصليّ. وهذا كلّه فضلاً عن سهولة الانتقال والسفر في أيّامنا، أكانت زيارةً للبلد الأصليّ، أو استقبالاً لأقارب وأصدقاء وافدين منه.

وقصارى القول إنّ استفحال الإرهاب قد يكون نتيجة لقاح بين أزمتين وبين تخليين عن المسؤوليّة. وما يزيد في القلق أنّ الأمور لا توحي بأنّنا متّجهون نحو أوضاع أفضل. فمن جهتها، صوّتت بريطانيا مؤخّراً لحزب المحافظين اليمينيّ، وكان الرئيس الفرنسيّ فرانسوا هولاند قد استبدل حكومته الممثّلة للتيّار الوسطيّ في الحزب الاشتراكيّ بحكومة يقودها التيّار اليمينيّ في الحزب نفسه. أمّا عندنا، فالمراجعات الجذريّة لا تزال مستَبعدة جدّاً، وهذا كي لا نقول إنّ الوجهة السائدة، وتحت ضغط الاحتراب الأهليّ المفتوح في غير بلد، هي عكس ذلك تماماً.