الأحد 14 يونيو 2015 / 18:42

الإرهاب من البيت!





هذه الحقيقة التي يجب أن نلتفت إليها جيداً.

أنا لا أقول أن كل إرهابي قاتل أو منتحر خرج من بيته وهو يحمل هذا الفساد في قلبه، لكن أقول إنه قد تكون هناك بذرة صغيرة معطوبة ولم يلتفت لها أحد في بيته, لم ينتبه أحد لضرورة إصلاحه وتوجيهه, والطامة الكبرى أنها ربما تكونت بلا قصد بسبب نعرة دينية أو طائفية يعتبرها البعض عادية وتمر مرور الكرام, لكنها تترسخ لدى بعضهم لتكون بذرة الشر الأولى!

أريد أن أخبركم عن صديقي الشاعر, كان لديه أسرة جميلة وأبناء يفتخر بهم وبتربيتهم ويخطط لهم بفرح بيوتهم ومزارعهم ويخبرني عن أزهار المشمش والرمان, وأتذكر جيداً اليوم الذي زرع فيه نخيلاً في منزله، وأطلق على كل نخلة اسم من أسماء أبنائه, وشرفني بأن حملت إحدى أشجار النخيل اسمي, لأنه كان يعتبرني كأخته الصغيرة رغم اختلاف آرائنا الحاد أحياناً, ونقاشاتنا العقيمة في أغلب الأحيان والتي لا نتفق فيها على شيء, ولا أنسى اليوم الذي (كفرني) فيه لأني عارضته في شأن ابن لادن الذي كان يراه كبطل، وربما المهدي المنتظر, وكنت أراه قاتلاً ومجرماً, وامتدت الحوارات بيننا حتى (كفرّني) لأني لا أؤمن ببطله المجرم, ثم اختفى!

مرت سنوات قبل أن يطل علي صديقي هذا من شاشة أحد مواقع التواصل الاجتماعي، لكنه لم يكن نفس الشخص!

كان مكسوراً وأنا اسأله عن أبنائه وأخبرني أنه فقد أكبرهم, فلذة كبده الذي تغذى منه على حب عصابة بن لادن ومن مثله من القتلة، وحين قرر ابنه الانضمام إليهم لم يردعه، بل شجعه حتى لا يحرمه من الجهاد كما كان يؤمن !

ثم حين تلاشت طفرة بن لادن وبانت سوءته ومن معه, استفاق صديقي من التخدير الذي كان يمارسه هؤلاء- وهو نفس الدور الذي يقوم به شيوخ الفتنة الطائفية والدواعش الآن- انتبه أنه فقد ابنه! إنه لم يعد يعرف إن كان حياً أو ميتاً, إن كل ما يربطه الآن به أحلام تراوده بين حين وآخر، تارة يراه جثة تريد منه أن يدفنه، أو محمولاً على الأكتاف يريد من والده استلامه والبحث عنه، أو حياً ومستقراً في مكان ما ولديه أبناء ويحاول الاتصال به ليطمئن عليه.

يدخل بلهفة لمواقع التواصل الاجتماعي, يضع اسمه الحقيقي كاملاً ليعرفه ابنه إن حاول البحث عنه, يتنقل من جهة لأخرى ليسأل عنه ولديه أمل أنه ما زال حياً وأنه سيعود ليحضنه ويشم رائحته، وربما يعود كشخص يمارس حياته الطبيعية, بعيداً عن الأفكار التكفيرية التي كان يملأ به عقله وروحه بدون قصد! أقول بلا قصد لأنه لا يوجد أب طبيعي يريد أن يفقد فلذة كبده بهذه الطريقة! أن لا يعرف له وجهة يراه فيها, أو قبراً يدعو فيه له!

ربما يقرأ صديقي مقالي هذا ويغضب مني, وربما سيعذرني لأني قلت فيه ما أردت أن أقوله له دائماً, إن أفكاره المتطرفة آنذاك وابن لادن سرقوا ابنه منه!

وإني كلما مرت بي نخلة في الطريق تذكرت النخلة التي تحمل اسم ابنه البكر، وتخيلت الأسى وهو يعتني بها و يرعاها ويراها تكبر أمامه، ويدعو الله تحت سعفها أن يعيد له ابنه سالماً غانماً وخالياً من كل الأفكار السوداء التي جعلته يغيب عن بيته وحضن أمه!

أعرف حزن صديقي وأفهمه، واليوم هو يجاهد بطريقة صحيحة، التفت لأبناءه الأصغر، وحثهم على إنهاء دراساتهم العليا، ذكوراً وإناثاً، ويرعى أحفاده وأظنه سيحمل دائماً في داخله أمنية أن يعود ابنه له!

تخلصنا من ابن لادن ولكن الشر الذي زرعه ما زال قائماً، وظهر لنا شر آخر على شكل داعش والطائفيين النتنين- رغم أنهم موجودون منذ زمن طويل ولكن لم ينتبه لخطرهم أحد إلا الآن- وغيرهم وما نعانيه اليوم من انتحار هنا وهناك وتفجير وقتل أعمى يجب أن يكون كجرس إنذار يوقظ الآباء الغافلين أو المنقادين خلفهم, فقد يستيقظ أحدهم على خبر انتحار ابنه في مسجد أو في سوق أو قتل رجل آمن.

لا تستهينوا بما تغذون فيه أبناءكم! كلمة واحدة مهلكة قد ترمي بهم في دائرة الخطر، لنتذكر دائماً أن هناك رب العالمين, هو من يحاسب الناس وليس أنتم، والانقياد الأعمى وراء مشايخ الكلام المبهرج لا يقود دائماً للفلاح!