الجمعة 4 سبتمبر 2015 / 18:46

طفلٌ يتعلمُ الصلاة

سأكون "سيناريست". كان يمكنُ أنْ يصلَ الزورق إلى شاطئ جزيرة كوس اليونانيّة، وربّما كان البحر سيُزعجُ الربّانَ التركيَّ، لكن ليس إلى الدرجة التي تدفعه للقفز في الماء والنجاة وحيداً، وكانت عائلة السيِّد عبد الله كردي، ستستريحُ في شقة أرضية في اليونان بنومٍ متواصل لا تقطعه الأحلام بسكاكين داعش، أو سقوط برميل متفجِّرٍ من سماء إدلب. يومان، شهران، أو أي زمن متحرك، وكانت تأشيرة شقيقته ستصله من كندا، و"إيلان" سينام على الشاطئ بانتظار أن تعدّ أمه "ريحانا" فِراشه الورديَّ.

لا. هناك سيناريو آخر، يشبه الحقيقة الدراميّة التي انتشرت صباح الأربعاء الناحب. إذ ضربت الزورق أمواجٌ لا رحمة فيها، وآثر الربّان التركيِّ، ككلِّ الربابنة، النجاة بنفسه، وبأربعة آلاف يورو. سيمسكُ عبد الله بطفليه إيلان وغالب، ويفلتهما تباعاً جثتين ساخنتين، لينقذ "ريحانا" التي ماتت مرّتين. كان يمكن ألا تطفو جثة ايلان، وتأتي أمواج أخرى أو يصادفها قرش أبيض، وسيناريوهات أخرى ليس بينها أنْ ينام إيلان على شاطئ "بودروم" بقميصه الأحمر، وسرواله الأزرق، نومَ طفلٍ يتعلّمُ الصلاة.

كان صباح الأربعاء سيكون عادياً، صوت فيروز كما هو وسيط بين الأرض والسماء، وشاعر نثر يستدرجُ في سلسلة المحادثات مُطلقةً للمشي على موسيقا القصيدة، وثائرٌ سيشتمُ كلّ الجهات، وموالٍ سيلعَنُ كلّ الاتجاهات، ومنشورات على حبال "فيس بوك"، عن الوحدة وأعطابِ الاثني عشر، وفتاة تتوعّكُ لتستجدي أدعية العاطلين عن العمل، وربّة بيت تنشر صورة داعية يحرِّمُ الخلوة بين البنت وأبيها، وتعليقات تستحسن، وأخرى تنتقد، والسجالُ ليس ودياً، هو مثل ما يحدث دائماً في الشرق منذ أن صار لدينا "اتجاه.. ومعاكس"!

لكنَّ السيناريو الذي جرى فرضته مصورة تركية تُدعى "نيلوفير دمير"، التي كانت تتنزه على الشاطئ، في عادة صباحيّة استحدثتها منذ أشهر، وشاهدت ايلان في صلاته الأولى، والأخيرة، والتقطت الصور التي لوّنت العالمَ يوم الأربعاء بالأحمر، والأزرق، ومساحة بنيّة صغيرة بحجم باطن فردتيْ حذاء طفلٍ في الثالثة، كان قبل يوم يركُلُ الكرة الكبيرةَ، ويظنُّها تصيبَ الهدف الذي بين حجرين، وربّما كان يتمنّى لو أنَ أباه انتظر حتى تتوازن النتيجة في مباراته غير المتكافئة مع غالب.. الذي غلبَهُ ومات.

الصور انتشرت، كالصداع، رسمها الكاريكاتيريون الذين يتذمّرون من تشابه الأحداث والألوان، وكتبَها شاعر نثر أخفى الموسيقا وزجاجة الويسكي وامرأة قابلة للاستدراج، واستبدل الفيسبوكيون صورهم الشخصية الضحوكة بصورة طفل يتعلمُ الصلاة، ولا شيءَ آخر حدث فوق النحيبِ، أو سيحدث بعد النحيب، كما بعد صورة "فتاة النابلم" في حرب فيتنام، فصورة إيلان كانت جولة للكَسْب، والتكسُّب، ربّما ربحها العجوز الموالي، "دريد لحام"، حين خرجَ يتحدث من دمشق عن "فرسان العروبة" الذين سقطوا، وعينه الرمداء ترى بشار الأسد "الوطن بالمختصر".

أخفوا صورة إيلان وهو يتعلّمُ الصلاة من حساباتكم. غداً ستنشرُ السيدة الأولى، أسماء، صورة "حافظ بشار الأسد" وهو يتهيأ للذهاب إلى المدرسة.. وربّما إلى الحُكْم!