الأحد 3 يناير 2016 / 22:16

أخفضوا صوت القتل.. إيران نائمة

.. ونام "آية الله" علي خامنئي في الثامنة والنصف، هانئاً كملاك لم يكتمل. اطمأنّ كالجدِّ الرقيق على التوزيع العادل للفائف اللحم الطريِّ على الأسر المنكوبة في حمص، وما حولها من قرى مؤمنة، وقرأ بعين مُجهدة تقريراً مصوراً عن كفاءة فيلق القدس في دهان أرصفة حلب باللونين الأصفر والأسود، وتعميم فوائد تنظيم السير، ثمّ استمَعَ إلى شرحٍ مختصر عن المهام الجديدة للحرس الثوري في التوفيق بين الأزواج المتخاصمين في بغداد، وجّه بتنظيم دورة لتعليم أطفال صنعاء "الشطرنج" و"الكرة الشاطئية"، وأمرَ بإرسال فرقة مفخّخة بالموسيقى الصفويّة إلى البحرين، وأوصى خيراً بالجار الكويتي الثاني، وطلب منه المغفرة بأثر رجعي على حماقات الثمانينيات، ووصل دمع الندم حاراً حتى لبنان، الجار السابع، وأجاز منحه درجة "دولة"!

إيران تبدو دولة "اسكندنافية" بمناخ قاحل وشبه مجدب، أرقَّ من ظلّ عاشقين على الضفة اليسرى من نهر "السين"، يُقشعُر بدنها حين تسمع عن حادثة إعدام مجاورة، يمكن أنْ يصاب "غلام حسين" بحمّى غامضة ويمنع من الظهور العلنيِّ، ويكتئب مزاج "محمد جواد ظريف" ويكتب شعراً فارسياً متقشّف البلاغة، ويتقيأ "حسن روحاني" دماً ويحار الأطباء في تسمية دمه، ربّما ينعى "برج آزادي" الحرية ويحزن بنُبْل ويصفع خدّيه، قد يضطّربُ إيقاع الحياة في شوارع طهران، وتتعطل حركة القطارات وتحرن كالدواب المكلومة، والمواطنون المعتادون على الاستيقاظ على أنباء السلام من قناة "العالم"، يتبادلون نظرات مصدومة: "حادثة إعدام هنا، وراءنا ببحر"، لم تراعِ مشاعرهم التي اعتادت على أنّ السجناء هم "أبناء الحياة"، ويتم ابتعاثهم لدراسة العشق في لندن!

وإيران المجاهدة منذ سبعة وثلاثين عاماً وهي تشق الطرق إلى فلسطين، سلكتْ أقصرها، حين صعد "الخميني" إلى ما فوق سدة الحكم. وبدأ عهد "الثورة الإسلامية" بأنْ سدّدَ النار على الحلفاء، وتفرّغ ثماني سنوات للثأر من "صدّام حسين التكريتي" على رحلة النجف – الكويت، حتى تجرّعَ كأس السم، ووافق على وقف إطلاق النار، وماتَ مهزوماً. خاضت الجمهورية الإسلامية حروبَها الطموحة للتمدُّدِ والتشيُّع، هيمنت على "بغداد" برجالاتها المعممين، وسمّتها عاصمة "الإمبراطورية"، وتتحكّمُ بأحوال "بيروت" وملامح رؤسائها، وتسندُ بالأسلحة الثقيلة خشَبَ الكرسيِّ الذي يجلسُ عليه "بشار القرداحيّ" في سوريا على بُعد هضبة من إسرائيل، ولها الآن مسمارٌ ومطرقة في صنعاء، وأيادٍ مكفوفة في المنامة، ومهام كثيرة في الطرق المتعددة، منوطة بـ "فيلق" أنشئ من أجل القدس، وحمل اسمَها، ولم يرمِ في الطريق إليها حصاة واحدة!

أخفضوا صوت القتل، فإيران في حالة صدمة، إيران الدولة التي تجوبُ المشانق شوارعَها كعربات الحلوى المكشوفة، ويمكن للإيرانيِّ الذي يفكر في صوت عال على طاولة في المقهى أن يعتلي الرافعة معصوب العينين بتهمة "الهرطقة"، وتحكم فتاة أخفُّ من "ريحانة" بالإعدام لأنها قتلت ضابط استخبارات استدرجَها إلى بيته، وراودَها، وإيران التي يُعدَم فيها الكرديُّ إن ظهرت هويته في عينيه، والسنيُّ إنْ أتبعَ ذكْرَ الصحابة بـ "رضوان الله عليهم"، والشيعيُّ إنْ لم يكن صفوياً، والشاعر إنْ كتبَ باللغة العربية على بحر "الخليج العربي". أخفضوا صوت القتل، فإيران التي أحكام الإعدام فيها كشربة الماء المُحلّى، كخروج شعرة شقراء من العجين، كمرور عربة في الثامنة صباحاً تنادي على المارة أن يجتمعوا ليشهدوا أبطأ طريقة للموت، لا يزعجها سوى أنْ يعدمَ "نمرها"!